من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١٥ دمج ذوي الاعاقة

يُواجه المعاقون مصاعب أكبر بلعب دورٍ في المجتمع مقارنة بالفئات الأُخرى. حيث تعدّ مشاركتهم في القضايا المجتمعية في الشرق الأوسط على وجه الخصوص – لا الحصر – أبعد ماتكون عن كونها بديهية. بل على العكس من ذلك مازالت تظهر حتى يومنا هذا حالات يُخفي فيها الأهل أطفالهم المعاقين في المنزل لشعورهم بالخجل من وجودهم.

الدمج يعني الإحتواء أي أنه نقيض الإقصاء. ويعتبر الدمج المجتمعي ناجحاً عندما يستطيع أي شخص، بغض النظر عن كونه ذو إعاقة أم لا، أن يكون حاضراً ومشاركاً في كل مكان، أي في المدرسة، في العمل، في الحي السكني وفي أماكن الترفيه، حيث يُعد الإختلاف في مجتمع شامل (حاضن لكلّ مكوناته) أمراً إعتيادياً وبنفس الوقت لايتم إختزال أي شخص في بعد اختلافه عن الآخرين. فعلى سبيل المثال لايعتبر شخص لمجرد أنه لايستطيع المشي أقلّ ذكاء أو ثقافة من شخص ليس لديه أيّة إعاقة حركية. لكن غالباً مايتم معاملة هذا الشخص من هذا المنطلق.

يمكن إتخاذ الكثير من الإجراءات، على المستوى المحلي، لإشراك الأفراد المعاقين جسدياً أو ذهنياً بشكل أفضل.

فرص الحصول على التعليم

إحدى أهم النواحي المتعلقة بإدماج ذوي الإعاقة هو توفير فرص تعليمية لهم، وخاصة في المدارس. حيث يمكن إدماج أطفال ذوي إعاقات جسدية معينة بسهولة أكثر من غيرهم: فيمكن لباص المدرسة إحضار الأطفال الذين لايستطيعوا المشي من منازلهم، كما لا يستغرق إنشاء منحدر (رامب) خاص بالكراسي المتحركة عند مدخل المدرسة وقتاً طويلاً وكذلك يمكن تجهيز معظم الأبنية القائمة بمصعد مضاف. بينما تختلف بشكل كامل إحتياجات الأطفال من ذوي الإعاقات البصرية البالغة: حيث يجب أن يتم تعليمهم باستخدام الخط البارز ويحتاجون إلى كتب مدرسية خاصة مكتوبه بهذه الطريقة. في حين ينبغي منح الأطفال ذوي الإعاقة السمعية إمكانية الجلوس في أماكن تتيح لهم قراءة شفاه المعلّم ورفاق الصّف. المهم في جميع هذه الإجراءات هو تمكين المعاقين جسدياً من إنجاز الكثير من الإشياء بأنفسهم من خلال تهيئة الظروف المناسبة. فباستطاعة بواب المدرسة طبعاً حمل الطفل المعاق حركياً صباح كل يوم مدرسي وصعود الدرج به لإيصاله إلى الصف، لكن هذا الأسلوب يؤدي إلى نشوء علاقة تبعية عوضاً عن الاستقلالية.

يعد إدماج التلاميذ المعاقين ذهنياً أصعب من إشراك الأطفال المعاقين حركياً. حيث قد تكون بعض الإعاقات شديده لدرجة تجعل من متابعة صاحبها للحصة الدراسية أمراً مستحيلاً. هنا يمكن أن تشكل الصفوف الخاصة أو المدارس، التي تأخذ بعين الإعتبار إحتياجات هؤلاء الأطفال بشكل خاص، حلاً. ومن جهة ثانية ليست الغاية الوحيدة من إدخال الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية (الشديدة) إلى المدرسة، هي تحقيق النجاح في تعليمهم، فقد يكون مجرد اشتراكهم في الحياة المدرسية والتواصل مع الأطفال الأخرين أكثر أهمية بالنسبة لهم. كذلك يتعلم الأطفال غير المعاقين بدورهم مراعاة و تقبل الاختلاف ويتعلمون أيضاً بأن الأطفال ذوي الإعاقة هم أيضاً أفراد بشخصيات مختلفة، قد يجدون أن بعضهم لطيف والبعض الآخر لا، تماماً كما هو الحال مع جميع الأطفال الأخرين. وبالطبع يحتاج الأطفال من ذوي الإعاقات الشديدة مساعدة خاصة للإشتراك بالحصة الدراسية الإعتيادية، أي على سبيل المثال مساعدة معلم أو مشرف إجتماعي، ملمٍّ بطبيعة إعاقتهم، يرافقهم عند الضرورة في الحياة المدرسية اليومية.

على العموم يجب أن يحظى أهل الأطفال ذوي الإعاقة الشديدة بإمكانية الإختيار بين تعليم أطفالهم في صفوف مدرسية عادية أو في صفوف خاصّة. لكن حتّى في العديد من الدول الغربية لم يتم تحقيق هذا الهدف لغاية يومنا هذا،حيث هناك الكثير مما يجب فعله عندما يتعلق الأمر بحق الأطفال المعاقين في الدمج.

تمثيل المصالح في المجتمع

يعدّ تأمين فرص التعليم المدرسي لذوي الإعاقة مهماً أيضاً لكي يبرز وجودهم منذ الصغر بشكل واضح و أن ينظر إليهم كجزء عضوي في المجتمع. فسواء كانت الإعاقة بصرية أو سمعية أو ذهنية يجب أن يكون لدى أصحاب الإعاقة إمكانية التعبير عن احتياجاتهم الخاصة أمام الرأي العام وتحقيقها. ولا تنتهك هذه «المعاملة الخاصة» مبدأ المساواة، بل إنّها تجعل من الممكن لأشخاص ذوي إعاقات معينة المشاركة في الحياة المجتمعية بمساواة أفضل مع المواطنين الآخرين. وفي الحالات التي تكون فيها الإعاقة شديدة، بحيث لايستطيع المعاقين التعبير عن مصالحهم بأنفسهم، ينبغي أن يتم ذلك من خلال ممثلين. وهنا تلعب جمعيات المعاقين دوراً هاماً. وينبغي خلق آليات في الأحزاب والنقابات والمجالس المحلية و مجالس المدن لكي تستطيع هذه الجمعيات العمل من أجل حقوق المعاقين. كما تعدّ قوننة حقوق ذوي الإعاقة بالدمج إحدى المهام الأساسية لهذه الجمعيات. فلا يجوز على سبيل المثال إبقاء قرار تجهيز دخول المعاقين إلى مبنى مجلس البلدية أو الحديقة العامة الجديدة، مرهوناً بالاجتهاد الشخصي لرؤوساء البلديات، وإنما يتوجب إلزام البلديات والمدن بذلك من خلال قوانين أو من خلال أنظمة تصدر على المستوى المحلي، بحيث يصبح أمراً بديهياً.

يجب أن يكون الهدف من الدمج هو التخفيف من تأثير الإعاقة بقدر الإمكان. فعلى سبيل المثال عندما تتوفر طرق مجهزة للكراسي المتحركة ولا تشكل كل حافة من حواف الرصيف عائق يستحيل التغلب عليه، تصبح عندها السلبية المرتبطة بالجلوس بالكرسي المتحرك – فجأة – أخف مما كانت عليه من قبل. كما يمكن أن يُنظر إلى مستخدمي الكراسي المتحركة على أساس ماهم عليه في المقام الأول: أي كمواطنين، يشاركون في الحياة المجتمعية، ولهم مصالحهم وتصوراتهم وأفكارهم الخاصة.

تنزيل


227K كيلوبايت PDF