من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

٨ الإدارة الذاتية للجامعات

تعتبر حرية البحث العلمي والتعليم، أي حرية العلوم من تدخلات الدولة، ركيزة أساسية للمجتمعات الديمقراطية. لا يحق للدولة أن تستمد من تمويلها للجامعات والمؤسسات التعليمية صلاحية تحديد المناهج التعليمية والأهداف العلمية. لا بد أن يكون للعلماء حرية القرار فيما يخص مواضيع ومنطلقات أبحاثهم وطريقة تفسير نتائجها، بمنأى عن تعليمات الدولة. كما أنه لا بد أن يكون لطلبة الجامعات حرية اختيار المادة التي يريدون دراستها، مهما كانت مواقفهم السياسية أو مواقف أسرهم. كما يجب أن يكون لهم حق التوصل إلى نتائج علمية مغايرة لما توصل إليها أساتذتهم. ولأجل ضمان حرية العلوم، تدير الجامعات في الكثير من الدول شؤونها بنفسها، أي أنها مستقلة في اتخاذ القرارات في قضايا جوهرية. وتتعاون إدارات الجامعات في ذلك تعاوناً وثيقاً مع عدة هيئات منتخبة.

مجالس الكليات، المجلس الأكاديمي، المجلس الجامعي

هناك هيئات منتخبة على المستويين اللامركزي والمركزي، نذكر من أهمها على المستوى اللامركزي مجالس الكليات. يتكون كل مجلس كلية حصراً من أعضاء هيئة تدريس القسم الدراسي المعين، ويتم انتخابهم من قبل العاملين في نفس الاختصاص فقط. تُعنى مجالس الكليات بالقضايا التي تهم اختصاصها، وتكمن في ذلك بالذات كفاءتها. من صلاحياتها مثلاً إعداد الأنظمة الدراسية وأنظمة الامتحانات، بالإضافة إلى تقديم اقتراحات لشغل وظائف الأساتذة الشاغرة واتخاذ القرارات في هذا الشأن على نطاق القسم الدراسي. يختار أعضاء مجالس الكليات من بين أعضاء هيئة تدريس قسمهم عميداً ليكون مسؤولاً عن شؤون الموظفين والشؤون الإدارية في الكلية.

يعد المجلس الأكاديمي من أهم الهيئات على المستوى المركزي ويتألف من ممثلي مختلف الاختصاصات، وينتخبه أعضاء جميع الاختصاصات. يعالج المجلس القضايا التي تخص الجامعة بأكملها، مثل انتخاب رئيس الجامعة وفتح أقسام اختصاصات جديدة أو إلغاء أخرى وتحديد الحد الأقصى لعدد الطلبة. إضافة إلى ذلك يُعنى المجلس الأكاديمي الجامعة بخطة الميزانية وتطوير وتجهيز الجامعة وإقرار أسس التعليم والدراسة والأبحاث فيها.

إلى جانب الهيئات التي تضم أعضاء ينتمون للجامعة حصراً، توجد على المستوى المركزي هيئة أخرى معظم أعضائها من خارج الجامعة، لكنها تملك بالرغم من ذلك صلاحيات هامة. فمعظم أعضاء ما يسمى بالمجلس الجامعي الذي يلعب دور مجلس الأمناء في الشركات هم من ذوي الخبرات في الميادين الاقتصادية والعلمية ومن شخصيات الحياة العامة، وعادة ما تعيّنهم الوزارة المختصة. تختلف مهام المجالس من جامعة إلى أخرى، وتمتد ما بين تقديم الاستشارة فقط والقيام بدور رقابي، وصولاً إلى اتخاذ القرارات في قضايا جامعية أساسية وبالغة الأهمية. حتى أنها في بعض الأحيان تمتلك صلاحية انتخاب رئيس الجامعة أو مستشارها أو كليهما وكذلك صلاحية إقرار الميزانية.

تعتبر الأهمية الكبيرة نسبياً لهذه الهيئات التي يأتي أغلب أعضائها من خارج الجامعة ظاهرة حديثة، ففي السنوات الأخيرة ازدادت في الكثير من الدول الأوروبية الأصوات المطالبة بإدارة «أكثر احترافية» للجامعات، مما أدى إلى ازدياد نفوذ المجالس الجامعية أو إنشائها لأول مرة في بعض الجامعات. إلا أن ممثلي السياسة والاقتصاد ليسوا بالضرورة خبراء في شؤون الجامعات، وهم يميلون إلى إعطاء «أسباب قاهرة» ذات الطابع الاقتصادي أو السياسي الأولوية أمام القضايا العلمية. فضلاً عن ذلك، فإن التنازل عن صلاحيات لصالح هيئات خارجية يُضعف الإدارة الذاتية للجامعات، وهو تطوُّر حدث في أوربا عدة مرات دون أن يلاقي ما ينبغي من النقد.

تمتلك ممثلات المرأة في كافة الهيئات حق تناول الكلمة وحق تقديم العرائض كحد أدنى، ويعملن من أجل تحقيق المساواة بين المرأة و الرجل، خاصة عند التعيين في وظائف أعضاء الهيئة الاكاديمية. كما يجب أيضاً مراعاة موقف مجلس الموظفين قبل أتخاذ قرارات التوظيف.

إلى جانب الهيئات المذكورة تعتبر رئاسة الجامعة جزءاً هاماً من الإدارة الذاتية الجامعية، وهي تتكون من رئيس الجامعة ونوابه ومستشار الجامعة الذي يعتبر المفوض لشؤون الموازنة. تقوم رئاسة الجامعة بتسيير أعمال الجامعة وتمثيلها لدى الجهات الخارجية، كما تشمل مهامها تنفيذ قرارات المجلس الأكاديمي للجامعة والإشراف على إعداد الميزانية والأداء الاقتصادي وتقديم اقتراحات لإنشاء وتغيير وإلغاء الكليات والتخصصات الدراسية بالإضافة إلى تقديم المخططات الهيكلية والمشاريع التنموية. المهم في الأمر أن تكون رئاسة الجامعة هيئة منتخبة منبثقة من الجامعة نفسها، وألا تتكون من مسؤولين عينتهم الوزارة.

الجامعات الديمقراطية

اعتماد نموذج الإدارة الذاتية للجامعات لا يعني بالضرورة أن تكون بنى اتخاذ القرار في الجامعات ديمقراطية. كانت صلاحية إدارة القضايا الجامعية إلى غاية خمسينيات القرن العشرين تُمنح للأساتذة فقط، ولم يتم إشراك الطلبة في ذلك إطلاقاً إلا بصفة استشارية في بعض الحالات الاستثنائية، فانحصرت إمكانية ممارستهم للنشاط الجامعي على التنظيم الذاتي الطلابي. أما في الستينيات فقد طالب الطلبة لأول مرة بتوزيع المقاعد في الهيئات الجامعية بالتساوي، أي أن جميع أفراد الأسرة الجامعية من الاساتذة والمعيدين والطلبة – يمثَّلون في الهيئات الجامعية (مجالس الكليات والمجلس الأكاديمي وغيرها) بأعداد متساوية. إلا أن هذا المطلب لم يتحقق. فمن ناحية يتم اليوم تمثيل الموظفين الإداريين (مثل السكرتيرات والفنيين) إلى جانب الاساتذة والمعيدين والطلبة، إلا أن للأساتذة دائماً الأغلبية المطلقة للأصوات في الهيئات التابعة للجامعة، مما يعني أنه لا يمكن تمرير أي قرار ضد أصواتهم.

من الواضح أن نماذج أكثر ديمقراطية للمشاركة في صنع القرار ممكنة، فإلى جانب التمثيل المتساوي للمجموعات الجامعية في جميع الهيئات يمكن على سبيل المثال حصر الأغلبية المطلقة للأساتذة على تلك الحالات التي تخص قضايا البحث العلمي الجوهرية. كما يمكن انتخاب طاقم الأساتذة أو جزء منه على الأقل في الهيئات المختلفة ليس من قبل الأساتذة فقط، بل أيضاً من قبل الطلبة والمعيدين والموظفين الإداريين، مما يؤدي إلى انتخاب أساتذة يراعون مصالح جميع أفراد أسرة الجامعة.

تنزيل

٣٧٢ لوبايت PDF