من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

٧ النقابات

يتحد في النقابات العمالية موظفو الشركات لتمثيل مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. النقابات منتشرة عالمياً، إلا أن علاقتها بالدولة، وصلاحياتها الفعلية وتنظيمها الداخلي يختلف كثيراً من دولة إلى أخرى.

في سوريا مثلاً هناك اتحاد واحد للنقابات فقط، هو الاتحاد العام لنقابات العمال، تنتسب إليه جميع النقابات بشكل إلزامي. رئيس الاتحاد هو عضو قيادي في حزب البعث الحاكم الذي يتحكم بأنشطة الاتحاد عن طريقه. كما تقرر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل نسب التمثيل وتوزيع مقاعد مؤتمر الاتحاد الذي يعتبر السلطة العليا فيه، وكذلك كيفية توظيف أموال النقابات. أما الاتحاد فيقرر بدوره في أي من القطاعات الصناعية يجوز تأسيس النقابات أساساً، وعلاوة على هذا يستطيع أن يقيل قيادة أية نقابة فرعية إن شاء ذلك. إلا أن الدولة والحزب لا يتحكمان فقط في توزيع المناصب النقابية، بل يحّدان من أنشطتها أيضاً. فعلى وزارة العمل أن توافق على جميع عقود العمل والأجور التي تتفق عليها النقابات مع أرباب العمل ليسري مفعولها، ويلاحَق قانونياً كل من يقوم بإضراب غير مرخص له. من الواضح أن هذه الشروط لا تسمح بتمثيل فعال لمصالح العمال ضد مصالح الدولة والحزب. فالنقابة في هذه الحالة لا تعدو أن تكون أداة مراقبة في المجتمع.

تصف المحاور الثلاثة التالية المهام التقليدية للنقابات في الأنظمة الديمقراطية وتشرح كيف يجب أن تكون العلاقة بين الدولة والنقابة، كي تستطيع النقابات أن تقوم بتلك المهام. وأخيراً تبين بشكل نموذجي مواصفات البنى التنظيمية الداخلية للنقابات، بحيث يستطيع العضو العادي أن يؤثر على سياسة نقابته.

سياسة الأجور، مجالس العمال، عدم التمييز

انبثقت أغلب النقابات في أوروبا عن الحركة العمالية، وهي تعمل منذ وجودها من أجل زيادة الأجور وتحسين شروط العمل والمزيد من حقوق المشاركة في قرارات الشركات وتقليل ساعات العمل. تبرم النقابات بكونها طرفاً مفاوضاً مع اتحادات أرباب العمل عقوداً تحدد مستوى أجور العمال، على أن تكون هذه العقود ملزمة لمعظم شركات القطاع المعني، وهي تناضل من أجل ذلك مستخدمةً الإضرابات عند الضرورة. تسعى النقابات، كممثلة لمصالح أعضائها، لتوزيع أكبر قدر ممكن من أرباح الشركات على موظفيها وعمالها عن طريق زيادة الأجور وتحسين شروط العمل.

لقد لعبت الكثير من النقابات دوراً رائداً في النضال لأجل المساواة بين المرأة والرجل في العمل، وضد تمييز الأقليات العرقية والمعاقين والعمال المسنين. وعلى وجه الخصوص تُشارك المنظمات الشبابية لكثير من النقابات في النقاشات السياسية العامة، حيث تطرح مواقف مستقلة. وهي تتعاون في ذلك مع مجموعات شبابية أخرى وتوفر لها البنية التحتية النقابية، إذ تقدم لها قاعات لإقامة الفعاليات مثلاً.

كما تقدم النقابات لأعضائها خدمات معينة، مثل دورات للتأهيل الإضافي والاستشارة القانونية أو استمرار تقاضي الأجور في حال حدوث إضراب. وهي تركز على المتدربين ومبتدئي المهنة لتقدم لهم من خلال إقامة المنتديات معلومات حول حقوقهم كعمال. من هذه الحقوق تأسيس مجالس العمال، حيث تساعد النقابات موظفي الشركات في تنظيم ذلك. يتم انتخاب مجالس العمال على قدم المساواة وبالتصويت السري في إطار اجتماع لموظفي الشركة. تعمل مجالس العمال في الشركة على منع التمييز ضد العمال. وإذا تمت إعادة هيكلة شركة ما، أو حاولت الشركة تقليل عدد الموظفين، يتفاوض مجلس العمال مع رب العمل لتخفيف الضرر للمعنيين. كما يراقب مجلس العمال الالتزام بعقود الأجور ولوائح حماية العمل، ويساند المجلس العمال في حال دخل أحدهم في خلاف مع المدير أو يدعم الموظفين في حال وجود مشاكل بينهم وبين زملائهم في العمل.

الدولة والنقابات

لأجل الدفاع الفعال عن حقوق العمال يجب أن تكون النقابة مستقلة عن الدولة والأحزاب. يعني ذلك قبل كل شيء أن العمال يقررون زمن ومكان تأسيس النقابة، وليس الدولة. كما يعني ذلك على المستوى الفردي أن لكل شخص حرية الانتساب أو عدم الانتساب للنقابة. يجب ألا يكون هناك عضوية إلزامية، ولا يجب أن يتعرض عضو النقابة لأي تمييز من قبل رب العمل بسبب عضويته. ولا يمكن أن يكون حق العضوية محدوداً، إلا إذا كانت نقابات معينة تمثل قطاعات معينة، أي أنه يمكن لمعلم أن ينتسب لنقابة المعلمين، لكن ليس لنقابة عمال البناء. وفي الدول التي توجد فيها نقابات خاصة لكل شركة، لا يستطيع العامل إلا أن يكون عضو نقابة الشركة التي يعمل فيها.

يجب أن يكون للنقابات الحرة الحق في إبرام عقود تحدد مستوى الأجور مع أرباب العمل واتحاداتهم أو فسخ مثل هذه العقود دون تدخل من الدولة. كما يجب أن تتمتع بحق الدعوة لإضراب في حال فشلت المفاوضات. وبما أن الإضرابات تضرّ بالقوة الاقتصادية للشركات، فهي وسيلة نضالية فعالة ضد أرباب العمل الذين يسعون لزيادة أرباح شركاتهم. في نفس الوقت ليس من مصلحة النقابات تمديد الإضرابات إلى ما لا نهاية دون ضرورة، إذ أن خسائر الشركات تؤثر سلباً على أجور ومرتبات العمال في النهاية أيضاً. لذلك فإن الإضرابات تنتهي من تلقاء نفسها في أغلب الأحيان، دون أن يكون هناك حاجة لتدخّل الدولة.

وأخيراً، فإن الاستقلال عن الدولة يتطلب استقلالية مالية. يعتمد تمويل النقابات الذاتي على اشتراكات الأعضاء في الدرجة الأولى، وتتراوح تلك الاشتراكات وفقاً لمستوى الدخل، فهي تبلغ واحداً في المئة من الأجر الشهري في ألمانيا.

نشاط الأعضاء كأساس العمل النقابي الناجح

كذلك يعني الاستقلال عن الدولة والأحزاب انتخاب أعضاء النقابة لقيادتها بأنفسهم وعدم تعيينها من الخارج. لكن هذا وحده لا يجعل النقابة ديمقراطية، فلكي تكون النقابة ديمقراطية، يجب أن تتاح للأعضاء فرصة المشاركة في تشكيل سياستها بشكل فعال. وعلى غرار الأحزاب فإن قوة النقابات الأساسية تكمن في عدد أعضائها، فعدد كبير من الأعضاء لا يعني أساساً مالياً متيناً فقط، وإنما يضفي شرعية على سياسة النقابة أيضاً وهو شرط النجاح في نضالاتها المتعلقة بالعمل. إذن، ما هي مواصفات النقابة الديمقراطية التي تتيح للفرد إمكانية النشاط فيها؟

أساساً يعتبر كل عضو نقابة عضواً في فرع النقابة المحلي لمدينته، أي في المنطقة التي يتواجد فيها مكان عمله، وحيث يكون مطلعاً على الأوضاع القائمة، فيستطيع أن ينشط نقابياً هناك. ينتخب كل أعضاء الفرع المحلي مجلساً تمثيلياً، وهو أشبه بلجنة تابعة للفرع المحلي. يعد تشكيل المجلس أمراً ضرورياً، حيث أن عدد أعضاء الفروع المحلية لكثير من النقابات مرتفع لدرجة أنها لا تستطيع العمل بشكل فعال. يقرر المجلس التمثيلي القيام بأنشطة محددة في شركات ومصانع معينة، ويحصل لتمويل عمله على مبلغ مالي يحدد وفقاً لعدد أعضاء الفرع المحلي للنقابة، مما يجعله مستقلاً مالياً. ما عدا ذلك، ينتخب المجلس قيادة الفرع المحلي ونواب قيادة المنطقة والمندوبين الموفدين إلى مؤتمر النقابة.

تقوم قيادة الفرع المحلي بإدارة شؤون الفرع وتنفذ قرارات المجلس التمثيلي وتشكل مجموعات عمل ولجاناً. تتبع كافة الفروع المحلية لمناطق محددة تديرها قيادة المنطقة. وتتألف قيادات المناطق من مدراء يعملون كموظفين لدى مجلس إدارة النقابة وطبقاً لتوجيهاته. يساندهم ممثلو قيادة المنطقة المنتخبين من المجالس التمثيلية للفروع المحلية. مهمة قيادات المناطق هي إجراء المفاوضات حول مستوى الأجور والمرتبات.

مؤتمر النقابة هو أعلى هيئة لصنع القرار في النقابة، يعقده مجلس إدارة النقابة. ينتخب مندوبو مؤتمر النقابة مجلس الإدارة ويقررون النظام الأساسي ويحددون الخطوط العامة لسياسات النقابة.

من مهام مجلس الإدارة تنفيذ قرارات مؤتمر النقابة، ومن وظائفه الهامة إنهاء عقود الأجور أو المصادقة عليها واتخاذ قرار بإعلان إضراب، شريطة بتأييد أكثرية أعضاء النقابة في الشركة المعنية للإضراب. على قيادة النقابة إذن إقناع أعضائها أن الإضراب هو أفضل وسيلة لحل المشكلة القائمة.

تنزيل

٤١١ يلوبايت PDF