من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١٣ مشاركة المواطنين
النظام القضا ئي

تعد السلطة القضائية في أي دولة السلطة الثالثة إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهي سلطة مستقلة في الدول الديمقراطية. أي لا يمكن للدولة و لا للبرلمان التأثير على الأحكام القضائية الملموسة الصادرة عن المحاكم. حيث يتخذ القضاة قرارهم بناءً على القوانين النافذة وعلاوة على ذلك يتحملون المسؤولية تجاه ضمائرهم فقط. فمن الممكن للمحاكم المستقلة على جميع المستويات إصدار أحكام قد لا تروق لحكومة دولة أو مقاطعة أو مدينة ما وربما تنال إستهجان معظم أفراد الشعب.

من ضمن جملة الأمور التي قد تضمن إستقلالية القضاء أن يُعين القضاة بعد فترة إختبارية كـ«قضاة مدى الحياة». نقيضاً لهذا يتم في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة وسويسرا إنتخاب بعض القضاة المحلّين من قبل الشعب. حيث يجب على القضاة إصدار الأحكام باسم الشعب ومن أجله، وهذه هي الفكرة الأساسية التي تقف وراء عملية إنتخاب القضاة. إلاَّ أن هذا النظام قد ينطوي على مخاطر، فمن الممكن أن يُستدرج القضاة في ظروف معينة لتوجيه قراراتهم بناءً على فُرص إعادة إنتخابهم أكثر منه استناداً إلى القانون. كذلك يمنح نظام محاكم المحلّفين إمكانية أخرى لربط الشعب بالنظام القضائي، وهو مطبق في العديد من الدول ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.

محاكم المحلفين

يلعب المحلفون في الولايات المتحدة الأمريكية دوراً حاسماً في العديد من المحاكمات الجنائية وكذلك في قضايا القانون المدني. حيث يمتلك كل متهم بقضية جنائية تتجاوز عقوبتها الستة أشهر حق المحاكمة أمام هيئة محلفين، المنصوص عليه في الدستور. المحلّفون هم أشخاص غير مختصون بالقانون يقيّمون ظروف القضية ويطبقون القانون الساري المفعول على هذه الحالة بعد تلقيهم الإرشادات القانونية من القاضي. حيث يقسمون طبقاً للتقاليد المتبعة على تطبيق القوانين وتحكيم الضمير. ويستدعى سنوياً ما بين أربعة إلى خمسة ملايين مواطن أمريكي للمشاركة كأعضاء محتملين في هيئة محلفين. ولايسمح بتاتاً بانتساب محامين أو قضاة أو رجال شرطة إلى عضوية هيئة المحلفين. يخضع المرشحون الأخرون لاستجواب شفهي من القاضي و ممثلي هيئتي الإدعاء و الدفاع. يحق لكل من الهيئتين على حد سواء رفض المرشحين ممن اتضح تحيزهم. فضلاً عن هذا يحق لهم رفض عدد محدد من المرشحين دون أي ذكر للأسباب. وبذلك يلتحق فقط بعضوية اللجنة من حصل على موافقة مشتركة لهيئتي الإدعاء والدفاع. لا يتم تحديد أي شروط خاصة بالمستوى التعليمي لأعضاء اللجنة.

عادة ما تقرر هيئة المحلفين ضمن إطار التهمة الموجهة إلى المتهم إذا ماكان مذنباً أو لا. على أن تكون الإدانة بالإجماع. وتجرى جميع جلسات المداولة خلف أبواب موصدة.و لايتطلب الحكم أي تعليل. أما مقدار العقوبة فيحدد في معظم الولايات الإمريكية من قبل القاضي وليس من قبل هيئة المحلفين.

ولعل قوة محاكم المحلفين تكمن بتقديم الشخصيات المختلفة لوجهات نظر متنوعة حول القضية وبأن إتخاذ القرار الجماعي أقل عرضة للخطأ من القرار الفردي. بالإضافة إلى ذلك يزداد إحتمال ملائمة القرارات لتصورات العموم عندما تُتخذ من قبل مواطنين عاديين تماماً. ويزداد إحتمال تقبل قسم كبير من المجتمع لأي قرار وعدم حدوث تباعد بين العدالة والمواطنين. كذلك يعتبر الدور الذي تلعبه محاكم المحلفين بمنع التعسف الحكومي مهماً.

لكن هذا النظام لديه نقاط ضعف أيضاً، فعلى سبيل المثال هناك السؤال الذي يطرح نفسه: هل جميع المحلفون مؤهلون بالفعل لإتخاذ قرارات في القضايا المطروحة؟ كذلك هناك خطر جدي بفرض بعض الأعضاء المفوهون إرادتهم داخل الهيئة وقيامهم بالضغط على الأعضاء الأقل فصاحةً لتبني آرائهم. بالإضافة إلى الوقت الطويل الذي قد تتطلبه المحاكمات في محاكم المحلفين، لا سيما عندما لاتتمكن الهيئة من الإتفاق على حكم موحد مما يتوجب عليه إعادة إجراءات المحاكمة من جديد. وأخيراً يمكن للميزة المفترضة، أي الإحتمال الكبير لقبول عامة الشعب للأحكام التي يشارك في إصدارها مواطنون عاديون أن تتحول إلى أمر سلبي: هناك خطر محتمل بأن تكون قرارات هيئة المحلفين موسومة بأحكام مجتمعية مسبقة، وبذلك أن لايصدر الحكم متحرراً من هذه الأحكام المجتمعية بشكل أفضل مما لو صدر عن قاضٍ مؤهلٍ بمفرده.

القضاة الغير محترفين

كذلك توجد في الدول التي لاتعرف محاكم المحلفين، بالمفهوم المذكور أعلاه، أشكال لمشاركة المواطنين في النظام القضائي. فمثلاً لا يقتصر العمل للقضاة الغير محترفين في ألمانيا على القضايا الجنائية فقط وإنما يُستخدم أيضاً في محاكم العمل والأحوال الشخصية والمالية (الضرائب) ومحاكم البداية. حيث يتساوى من حيث المبدأ القضاة الغير محترفين مع القضاة المحترفين أثناء الجلسات الرئيسية للمحاكمة. كما أنهم يشاركون في التوصل إلى الحكم وبتحديد مقدار العقوبة. من حيث المبدأ يُسمح لأصحاب المهن المختلفة على إختلاف مستواياتهم التعليمية بالتقدم للعمل كقضاة غير محترفين. وتستثنى بعض المجموعات المهنية كأعضاء البرلمان والقضاة وكتاب العدل. يمكن لكل مواطن تجاوز عمره الخامسة والعشرين الترشح لمنصب قاضي غير محترف في مكان إقامته. تبلغ مدة المنصب خمسة أعوام.

يهدف تعيين القضاة الغير محترفين إلى تحقيق مبدأ مشاركة الشعب في أحكام القضاء وإبراز قيمة حس العدالة والخبرة المهنية والحياتية عند الأشخاص الغير حاصلين على دراسة قانونية خاصة، بالإضافة إلى تقوية ثقة المواطنين في العدالة. وبالمقارنة يعتبر نفوذ القضاة الغير محترفين أضعف بوضوح من نفوذ المحلفين في محاكم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنهم لايستطيعون إتخاذ القرار حول «ذنب» المتهم بإستقلالية.

حدود مشاركة المواطنين في النظام القضائي

عند النظر إلى نماذج مشاركة المواطنين في النظام القضائي المتعارف عليها في الولايات المتحدة وألمانيا يتضح أن التأثير الإيجابي للمشاركة المباشرة للمواطنين في المحاكمات القانونية مرهون بتحقيق مبادئ أساسية: يستطيع القضاة الغير محترفين أو المحلّفون الإضافة إلى المعرفة القانونية الإختصاصية والخبرة التي يتمتع بها القضاة المحترفون فقط ولكن ليس بإمكانهم التعويض عن هذه المعارف والخبرات. كذلك تلعب عملية تشكيل هيئة المحلفين أو إختيار القضاة غير المحترفين دوراً مهماً وحاسماً، فهي تتطلب النجاح بالوصول إلى أشخاص يمثلون مختلف شرائح المجتمع لتولي هذه المهمات. ولايجوز أن يتعلق الإختيار بمواقفهم السياسية. بالتالي يجب خلق آليات عمل، تمنع دعم الحكومة الحالية أو الحزب الأقوى لمؤيديهم لتولي هذه المناصب. فإذا لم يتم تحقيق ذلك، فإن خطر التأثير السياسي على القضاة غير المحترفين أو إمكانية تلاعبهم بالأحكام القضائية أكثر مما هو عليه في حالة القضاة المحترفين الذي يشغلون منصبهم مدى الحياة.

وقد تبين عدم إستطاعة القضاة سواء كانوا من المحترفين أو من غير المحترفين إزالة العيوب المبدئية للأنظمة القانونية القائمة. وعليه ينبغي تعريف أي قانون نافذ المفعول في دولة القانون بوضوح كامل. فلا يجوز أن يكون هناك أنظمة قانونية متوازية تسمح للقاضي بإختيار ما يحلو له منها. علاوة على هذا يجب أن يتساوى جميع البشر أمام القضاء سواء كانوا رجالاً أم نساءً، مسيحيون أو مسلمون، أكراد أو عرب، معارضون أو موالون. و تعتبر مناقشة مقدار مشاركة المواطنين في القضاء أمراً لا معنى له دون الإلتزام بمبادئ أساسية كهذه.

تنزيل


380K كيلوبايت PDF