من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١٤ مشاركة المواطني ن ونظام
الحصص المحددة (نظام الكوتّا)

تستمد الديمقراطية المحلية قُوتَها من مشاركة مواطني المجتمع، أي بمساهمة الجميع باهتماماتهم وقدراتهم سواء تم ذلك في المجالس المحلية والبرلمانات أو في الأحزاب والنقابات أو في غيرها من المؤسسات. ولكن من هم هؤلاء المواطنين؟ هم غالباً، على وجه الخصوص في الكثير من مجتمعات الشرق الأوسط، كبار السن من الرجال. حيث أن نسبة تمثيل الشباب وبالأخص النساء، في أغلب مؤسسات القطاع العام والدوائر الرسمية، ضئيلة جداً. و يعدّ تحديد الحصص (الكوتّا) إحدى إمكانيات رفع نسبة تمثيل فئة معينة من الشعب في اللجان والهيئات. فعلى سبيل المثال يتم قبل إجراء الانتخابات البرلمانية إقرار تخصيص نصف المقاعد للنساء، و بذلك ينحصر حق الترشح لهذه المقاعد بالنساء فقط. تعتبر الحصّة المحددة للنساء (الكوتّا النسائية) من الأمور المعروفة في الشرق الأوسط أيضاً، فمثلاً في كردستان العراق تُخصص نسبة ثلاثين في المئة من المقاعد للنساء. وبنفس الوقت ازداد الوعي بإشكالية إقصاء النساء عن الوصول إلى مراكز اجتماعية مهمة، حيث أعتبر الكثير من المصريين أن اثنين في المئة، كنسبة تمثيل للنساء في أول برلمان مصري بعد الإطاحة بمبارك، نسبة متدنية بشكل مُشين.

وفي سوريا يتباين الوضع بين الأحزاب السياسية. فقد أقر حزب الإتحاد الديمقراطي كوتّا نسائية بنسبة أربعين في المئة في معظم المناصب. ولكن بنفس الوقت ونظراً لهيكلية الحزب الهرمية لا يمتلك من يتقلد هذه المناصب أي تأثير فعلي سواء كان من الرجال أو من النساء. وبمجرد وجود «قيادة مزدوجة»، أي مناصب يتقلدها رجل وإمرأة بشكل مشترك، غالباً ما يتصدر الرجال الظهور أمام الرأي العام. ومن البديهي أن يطالب ممثلو أغلب الأحزاب السورية الكردية الأُخرى المعارضة السورية العربية بأن يحصل الأكراد في هيئات المعارضة مثل المجلس الوطني السوري على نسبة تمثيل تتوافق مع نسبتهم السكانية. أما فيما يخص مشاركة النساء في الهيئات الحزبية بشكل يتلائم مع نسبتها السكانية التي تبلغ خمسين في المئة فهذا لايزال في هذه الأحزاب بعيد المنال. حيث غالباً ماتكون هذه المشاركة شبه معدومة.

الكوتّا والعدالة والديمقراطية

هناك الكثير من الإعتراضات على الكوتّا النسائية. حيث يجادل البعض بأنّ الكوتا النسائية منافية للعدالة، فعوضاً عن إعطاء المناصب على أساس الجنس، ينبغي الإلتزام بـ(إمكانية) إختيار الشخص الذي يحمل المؤهلات الأفضل لتقلد المنصب الشاغر. وهنا يتم تناسي أن اختيار الرجال لتقلد الكثير من المناصب لم يتم في الماضي على أساس مؤهلاتهم المتفوقة و بأن سبب استحواذ الرجال – في سوريا مثلاً – على جميع المناصب الرسمية بنسبة قاربت المئة بالمئة، يعود إلى هياكل السلطة الأبوية (الذكورية) المسيطرة آنذاك والتي حالت دون ترشح المرأة. علاوة على هذا ليس من السهل أن يتم تعريف أو قياس الكفاءات: فأي السمتين أهم لنائب في البرلمان المحلي للمدينة (المجلس المحلي) قوة الشخصية أو القدرة على التواصل مع الآخرين؟ هل تعتبر العلاقات الجيدة مع صناع القرار والشخصيات المشهورة في المجتمع المحلي أمراً مفيداً، لأنها تسهل تنفيذ مشاريع معينة، أو يُخشى من أن تفتح علاقات كهذه أبواب الفساد على مصراعيها؟ كيف للمرء أن يقيس مهارات كالإبداع أو إدراك المسؤولية؟

هناك حجة أُخرى تساق ضد الكوتّا النسائية تتلخص بأن هذا العمل غير ديمقراطي، حيث أن الناخبون يضفون شرعية تمثيل مصالحهم فقط على من يفوز بإنتخابات عادلة وحرة. قد يصح هذا التعليل ولكن الكوتّا من جهة أُخرى، سواء طبقت لتحديد نسبة تمثيل النساء أو الأقليات العرقية أو الدينية أو ذوي الإحتياجات الخاصة، تمنح المواطنين إمكانية لم تكن لتتوفر لديهم، وهي المشاركة في القضايا المجتمعية. أي أنها تقف في مواجهة الأوضاع الغير ديمقراطية. وفي الوقت نفسه يعتبر تطبيق نظام الكوتّا ضرورياً، لكونه يعني خسارة المجموعات، التي سيطرت من قبل على القضايا المجتمعية، لنفوذها وامتيازاتها. وعلى الرغم أن الكثير من الرجال مستعدون للإعتراف بأن نسبة التمثيل المتدنية للنساء المستشرية في الحياة العامة تمثل مشكلة، إلا أنهم يجدون من الصعوبة بمكان دعم الكوتّا النسائية وبالتالي الإساءة من خلالها إلى فرصهم للمنافسه على مناصب معينة. لهذا السبب فإن تطبيق نظام الكوتّا يعتبر في أغلب الحالات عملية معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً.

هناك أيضاً مشكلة أخرى في نظام الكوتّا متعلقة بما سبق تكمن بميوله لإختزال الأشخاص في إنتماءاتهم الفئوية، بدلاً من النظر إليهم كأفراد. فمن البديهي أن يمتلك رجل غير متعلم ترعرع في الريف فرص أقل للمشاركة في القضايا المجتمعية من امرأة مثقفة نشأت في المدينة وفي عائلة ليبرالية، لكن ذلك لا يُغير – من منظور مجتمعي شمولي – حقيقة تدني نسبة تمثيل النساء وارتفاع نسبة تمثيل الرجال مقارنة مع نسبهم السكانية، والهدف من تحديد الحصص ليس تحقيق العدالة الفردية وإنما حدوث تغيير مجتمعي يؤدي بدوره إلى عدالة إجتماعية أكبر.

كذلك تجد «نساء الكوتا» أنفسهن في مواجهة مشكلة أُخرى. حيث تنتظر الكثيرات من النساء اللواتي دخلن البرلمان عن طريق «الكوتا النسائية»، أن يدعمن المشاريع النسائية. ولكن ماذا لو كانت هذه المشاريع في رأيهن لا تستحق الدعم؟ إضافة إلى ذلك قد يسبب فرض حصص تمثيلية متعددة لذات الهيئة مشكلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بهيئة صغيرة نوعاً ما. فعلى سبيل المثال لايمكن، في حالة تحديد كوتا لكل من النساء و الأقليات العرقية المختلفة والأقليات الدينية المتعددة وذوي الإحتياجات الخاصة في هيئة مكونة من ثلاث أعضاء، مراعاة جميع هذه الحصص التمثيلية في آن واحد.

أشكال الكوتّا

بغض النظر عن العوائق المذكورة آنفاً يمكن للكوتّا أن تكون أداة مجدية لمعالجة مشكلة نسب التمثيل المتدنية المتفاقمة تاريخياً. ولكي يكون لها تأثير إيجابي، ينبغي أولاً إتخاذ قرار بنوع الكوتّا الأكثر نفعاً. حيث يمكن تطبيق الحصص النسبية من خلال الإلتزام الطوعي أو الإلزام القانوني. فضلاً عن هذا يمكن أن تستند هذه الحصص على معايير مختلفة. فمن الممكن أن تهدف الكوتا إلى تمثيل النساء في هيئة معينة وفقاً لنسبتهم السكانية (أي بنسبة خمسين بالمئة) أو إلى تمثيلهم بشكل متوافق مع نسبة ترشحهن لشغل منصب معين: أي عندما يتقدم عشر نساء و تسعون رجلاً لشغل عشرة مقاعد في قائمة حزبية ما، يتوجب اختيار امرأة واحدة. كذلك من الممكن تحديد سقف للكوتا أي حد أعلى لنسب التمثيل، وفي هذه الحالة يتم على سبيل المثال تحديد تمثيل النساء في هيئة معينة بنسبة خمسين في المئة على أن لايتم تجاوز هذه الحصة، أو وضع حد أدنى للكوتا، وفي هذه الحالة يجب انتخاب ما لا يقلّ عن خمسين بالمئة من النساء، على أن يُسمح بتجاوز هذه النسبة أيضاً. و هناك إمكانيتين في حال لم يتوفر العدد الكافي من النساء لتحقيق الحصة المحددة، فإما أن تُترك المقاعد المحجوزة للنساء شاغرة أو أن يتم تعبئتها بمرشحين من الرجال. إضافة إلى ذلك يمكن أن ترتبط الكوتا بالمؤهلات أو لا ترتبط بها: أي لكي تستفيد امرأة مرشحة من الكوتا النسائية فمن الممكن اشتراط أن تكون مؤهلة على مستوى أفضل مرشح من الرجال أو أن تحقق الحد الأدنى للمؤهلات المطلوبة أو أن لايكون للكفاءة أي دور يذكر. يتعلق إختيار أحد أشكال الكوتّا بالإطار المجتمعي: على سبيل المثال، ليس منطقياً المطالبة بمشاركة نسائية بنسبة خمسين بالمئة في مجلس إدارة حزب ما، إذا كان عدد النسوة الأعضاء شبه معدوم. في هذه الحالة ينبغي أولاً السعي وراء تمكين وترغيب عدد أكبر من النساء بالإنخراط للعمل في الحزب المعني. فضلاً عن هذا فهناك آليات آخرى لضمان مشاركة فئات معينة في إتخاذ القرارات المجتمعية، خاصة عندما يتعلق الأمر بهيئات صغيرة أو في حالات عديدة يحق فيها لكثير من الفئات المهمشة المطالبة من حيث المبدأ بحصة محددة. فمثلاً يمكن الموافقة في المجلس المحلي (البرلمان البلدي) على استخدام ذوي الإحتياجات الخاصة حق الاعتراض على مسائل معينة متعلقة بهم. ويقوم بممارسة حق الاعتراض شخص مكلف، تم إختياره من قبل المعنيين أنفسهم. فعندما يتعلق الأمر بذوي الإحتياجات الخاصة يمكن لمبدأ التمثيل أن يكون أكثر نفعاً من الكوتّا المباشرة، على الأقل عندما تَحول إعاقتهم دون إمكانية تمثيل أنفسهم بشكل فعال. فبينما يعتبر تأمين دخول المعاق حركياً إلى البرلمان المحلي حتى لو أنه من مستخدمي الكراسي المتحركة أمراً سهلاً، يصعبُ على المعاقين ذهنياً في بعض الأحيان المشاركة بشكل متكافئ في جلسات البرلمان.

ومهما كان شكل نظام الحصص المحددة الذي يتم إختياره، ينبغي أن لا يغيب عن الذهن أن الكوتّا ليست هدف بحد ذاتها وإنما هي أداة لخلق مجتمع يمنح جميع مواطنيه فرصة المشاركة، بغض النظر عن الفئات الإجتماعية التي ينتمون إليها. وعندما يتحقق هذا الغرض، يمكن، أو بالأحرى يجب إلغاء الكوتّا وبالإضافة لماسبق لايمكن الإستغناء عن قدر معين من الفهم الأساسي للديمقراطية لتحقيق نجاح نظام الكوتّا. حيث يشمل هذا الفهم الأساسي إدراك ضرورة إتخاذ قرارات معينة تصب في صالح المجتمع ككل، حتى لو أدى ذلك في بعض الحالات إلى تراجع مصالح الفئة التي ينتمي إليها الفرد. وماحدث في لبنان والعراق هو مثال على ماقد يسببه الغياب الواسع للفهم الأساسي للديمقراطية، حيث أن المحاصصة الطائفية والعرقية، التي يتم على أساسها إختيار المرشحين للوظائف الحكومية، تؤدي إلى ممارسة هؤلاء لسياسة المحسوبية دون أخذ المصلحة العامة بعين الإعتبار. وهنا ينبغي في سوريا إنتهاج طريق آخر.

تنزيل


647K كيلوبايت PDF