من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

٢ التنظيم الذاتي لطلبة الجامعات

يعني التنظيم الذاتي الطلابي قيام طلبة الجامعات بإدارة شؤونهم الجامعية بأنفسهم وأن يمثلوا مصالح الطلبة في الجامعة، وأمام سياسة التعليم، وأمام مجموعات أخرى في المجتمع. وكما هي الحال بالنسبة لمشاركة التلاميذ في اتخاذ القرار في المدارس، فإن التنظيم الذاتي للطلبة يتيح للشباب فرصة تولي مسؤولية اجتماعية والنشاط السياسي في محيطهم والتدرب على قواعد التصرف الديمقراطي. وبما أن طلاب الجامعات يُعتبرون «نخبة المجتمع» و«أصحاب قرار الغد»، فإن استبطانهم القيم الديمقراطية هو شرط هام لتطور المجتمعات الحرة واستمرارها.

هناك طيف واسع من نماذج التنظيم الذاتي الطلابي في العالم. ففي بعض الدول ينظم الطلبة أنفسهم في روابط وطنية، بينما في دول أخرى هناك اتحادات طلابية خاصة بكل جامعة على حدة. أما بالنسبة للعضوية، فإما أن يكون الطلبة أعضاء بحكم التحاقهم بالجامعة، أو ينضمون لهيئة تمثيلهم طوعياً. إذا كانت العضوية في اتحاد التنظيم الذاتي تلقائية، فيدفع الطلبة في الغالب اشتراكاً إجبارياً. إن لم يكن كذلك، فعلى الهيئة التمثيلية للطلبة أن تعتمد التمويل الذاتي، سواء كان ذلك عن طريق بيع الكتب، أو بيع الأطعمة والمشروبات مثلاً. في بعض الحالات الأخرى تحصل الهيئة التي تمثل الطلبة من الجامعة على مبالغ معينة للقيام بمهامها. الأمر الحاسم في جميع هذه الحالات أن يكون تمثيل الطلبة مستقلاً من الناحية القانونية والمالية، كيلا يضطر إلى اتخاذ الموقف الرسمي لسياسة التعليم أو موقف إدارة الجامعة.

تختلف مهام التنظيم الذاتي للطلبة من بلد إلى آخر ومن جامعة إلى أخرى. في بعض الأحيان توفر اتحادات الطلبة لأعضائها خدمات وفعاليات لأوقات الفراغ في الدرجة الأولى، بينما ترى أخرى أن مهمتها الأهم هي التمثيل السياسي للطلبة، حتى أن بعضها يمنح ممثليها انتداباً سياسياً عاماً، مما يفتح لهم الباب ليتعاملوا مع قضايا تتعدى حدود سياسة التعليم. تجري نقاشات سياسية باستمرار حول تحديد مهام التنظيم الذاتي للطلبة وكيفية هيكليتها. ويحاول السياسيون مرة بعد مرة أن يحدوا من صلاحيات التنظيم الذاتي للطلبة أو أن يلغوه، بحجة أن نسبة الطلبة المشاركين في انتخاب الهيئات الطلابية قليلة، أو أن ممثلي الطلبة يطرحون قضايا لا تهم الكثير من الطلبة. وليس مثل هذه النقاشات إلا دليلاً على أن التنظيم الذاتي للطلبة أمر يجب المناضلة من أجله مرة بعد مرة، وأنه لا بد من ممارسته فعلياً كي يستمر في المستقبل.

يتم في التالي وصف نموذج للتنظيم الذاتي الطلابي يتميز بكون جميع طلبة الجامعة أعضاءً في اتحاد الطلبة بحكم التحاقهم بالجامعة وفقاً للقانون. يعني هذ أنهم يدفعون مبلغاً إجبارياً في كل فصل دراسي يُستخدم لتمويل عمل ممثلي الطلبة. وبالمقابل يحصلون تلقائياً على حق الانتخاب والترشيح في جميع الهيئات الطلابية. هذه الهيئات هي برلمان الطلبة («السلطة التشريعية» الطلابية)، ولجنة الطلبة («السلطة التنفيذية»)، والجمعية العامة للطلبة.

برلمان الطلبة

برلمان الطلبة هو بمثابة السلطة التشريعية في إطار التنظيم الذاتي للطلبة، وترشح عدة مجموعات طلابية مختلفة نفسها لانتخاب البرلمان الذي يقام غالباً مرة في السنة. وبما يشبه نظام الأحزاب السياسية، تسعى هذه المجموعات لتمثيل مصالح الطلبة، وبعضها قريبة من أحزاب سياسية معينة، وتحاول أن تؤثر على المجتمع عبر هذه المجموعات الطلابية. تحصل المجموعة التي تفوز بأكثرية الأصوات على أكثرية المقاعد في برلمان الطلبة، وتبلغ ولاية عمل المنتخَبين سنة واحدة. باعتباره هيئة تشريعية، يقرر برلمان الطلبة في شؤون النظام الأساسي للطلبة وميزانيته (أي قيمة الرسوم التي تُفرض على جميع الطلبة، وكيفية صرف هذه الأموال)، كما يعين البرلمان من يعملون في لجنة الطلبة. تقام جلسات برلمان الطلبة بشكل دوري وعلني.

لجنة الطلبة

لجنة الطلبة هي الهيئة التنفيذية (أو حكومة) الطلبة، وتتكون من مجالات اختصاصية مختلفة، تسمى بالأقسام. من الأقسام المحورية الأمور المالية، الإعلام والعلاقات العامة، القضايا الاجتماعية، وسياسة التعليم، والثقافة. يعمل في كل قسم من هذه الأقسام شخص واحد أو أكثر، يطلق عليه اسم المشرف. يمكن لكل طالب التقدم لأحد هذه المناصب في البرلمان، أو تتشاور المجموعات المنتخبة في برلمان الطلبة بين بعضها من الذي يشغل المنصب. في الحالتين على برلمان الطلبة أن يصادق على المرشحين بأغلبية الأصوات. أما في الكثير من الجامعات الصغيرة، فيمكن للطلبة أن ينتخبوا اللجنة بشكل مباشر، إذ ليس هناك برلمان للطلبة، وتقوم اللجنة بمهامه.

إلى جانب المجالات الرئيسية المذكورة، يمكن للجان الطلبة إنشاء أقسام إضافية لتعنى بقضايا جامعية وسياسية واجتماعية شتى، ففي كثير من الأحيان هناك أقسام في اللجنة الطلابية تعمل لتمثيل مصالح فئات مهمشة اجتماعياً، كالنساء والمثليين والأجانب. لا يَنتخب عامة الطلبة ممثلي هذه اللجان غالباً، فبدلاً من ذلك يعقد هؤلاء جمعية عامة مرة في كل عام، يشارك فيها على سبيل المثال جميع الطلبة الأجانب في الجامعة، وينتخب هؤلاء مشرفي قسم الطلبة الأجانب في اللجنة.

تعود فكرة حصر حق التصويت في الطلاب الأجانب فقط عند انتخاب ممثل عنهم، والسماح للطالبات فقط بانتخاب ممثلة عنهن في لجنة الطلبة، إلى فرضية عدم تمثيل الفئات المهمشة أو المحدودة التأثير اجتماعياً بشكل مناسب، إذا حدد ممثلو أكثرية المجتمع من يمثل هذه الفئات. فلا يُعقل وفقاً لهذه الفكرة مثلاً أن يقوم قسم للنساء بمهامه بصورة مناسبة، إذا كانت أكثرية من ينتخبونه من الرجال، بل سيلغي ذلك مشروعيته.

يعقد جميع ممثلي الأقسام جلسات دورية يتم فيها تنسيق العمل المشترك وبت القرار في الطلبات الفردية وطلبات المبادرات الطلابية. أما تحديد الأغراض التي يجوز أن تُنفق اشتراكات الطلبة من أجلها، فيتعلق بكيفية تعريف مصطلح «المصالح الطلابية». فإذا فُهمت بحدودها الضيقة، أي تداول القضايا الجامعية والمتعلقة بسياسة التعليم فقط، فتنحصر نشاطات ممثلو الطلبة في اتخاذ موقف من فرض الرسوم الدراسية، وتقديم بعض الخدمات للطلاب مثل إمكانية الاستشارة في قضايا اجتماعية أو دراسية. أما إذا كان لممثلي الطلبة انتداب سياسي عام، فيمكنهم أيضاً تنظيم فعاليات تعليمية للطلبة، حتى ولو كانت موضوعاتها لا تتعلق بالجامعة. كما يستطيعون أن يدعموا فئات اجتماعية غير طلابية (كاللاجئين مثلاً) وأن يُبدوا موقفاً من قضايا سياسية مهما كان نوعها علنياً.

تتحمل لجنة الطلبة مسؤولية المحاسبة أمام برلمان الطلبة، وعليها أن ترفع له تقريراً مرة في السنة على الأقل حول استخدام أموال الطلبة. إضافة إلى ذلك يشرف رئيس الجامعة على الأمور المالية لبرلمان الطلبة، وعليه أن يتدخل إذا قام ممثلو الطلبة بصرف أموال لأغراض غير مشروعة، وعليه أن يقاضيهم إن كانت الحال كذلك.

الجمعية العامة للطلبة

الجمعيات العامة للطلبة هي اجتماعات يمكن لجميع طلبة الجامعة المشاركة فيها مع حق التحدث وتقديم الطلبات. تختلف صلاحيات الجمعية العامة كثيراً بين جامعة وأخرى، ويحدد ذلك النظام الأساسي للطلبة. عادةً تكون لجنة الطلبة أو برلمان الطلبة هي الجهات التي تدعو للاجتماعات العامة، ويمكن أيضاً أن تطلب نسبة مئوية محددة من طلبة الجامعة انعقاد الجمعية العامة. تخدم الجمعيات العامة إيصال معلومات معينة للطلبة. من جانب آخر يمكن للجمعية العامة أن تتخذ قرارات حول مسائل جوهرية تخص شؤون الطلبة. من هذه المسائل مثلاً التصويت على إضراب يقوم به الطلبة لتحسين شروطهم الدراسية. قد تكون قرارات الجمعية العامة مجرد توصيات، أو تحمل صفة الإلزام. وفي الحالة الأخيرة على برلمان ولجنة الطلبة الالتزام بها.

مجالس الاختصاصات

إلى جانب الهيئات الطلابية التي تعمل لجميع طلبة الجامعة، هناك أيضاً مجالس طلابية منتخبة داخل أقسام الاختصاصات الدراسية تهتم بقضايا هذه الاختصاصات بالذات. يقوم ممثلو هذه المجالس مثلاً بتنظيم دورات تمهيدية للطلبة الجدد أو يقدمون استشارة دراسية لطلبة القسم. يتم تمويلها عادةً من لجنة الطلبة.

الإدارة الذاتية الجامعية

علاوة على ما ذُكر، هناك طلبة يشاركون في عمل هيئات إدارة الجامعة حيث يمثلون هناك مصالح الطلبة. قد يكون التنظيم الذاتي للطلبة منخرطاً بشكل وثيق مع هيئات الإدارة الذاتية الجامعية، وقد يكون مستقلاً عنها أو موازياً لها. وستتم العودة إلى موضوع الإدارة الذاتية الجامعية في موضع آخر لاحقاً.

تنزيل


٧٣٩ كيلوبايت PDF