من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١٠ الأنظمة الانتخابية

في جميع الدول الديمقراطية يتم إجراء انتخابات بشكل دوري، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي (المحافظات أو البلديات). ولكي تتفق الانتخابات مع المعايير الديمقراطية، يجب أن تكون حرة وسرية وتعتمد مبدأ المساواة، مما يعني أنه يمكن للناخبين الاختيار بين أحزاب مختلفة ومرشحين مختلفين، كما يجب أن يُسمح لجميع المواطنين ممن بلغوا سن الرشد أن يشاركوا في الانتخابات. وأخيراً ليس للدولة أو لمواطنين آخرين حق الاطلاع على اختيار الناخب. عمليات الانتخابات متنوعة، ووفقاً لنوعها قد تختلف نتائج الانتخابات. تستفيد الأحزاب الكبيرة أكثر من غيرها من أساليب انتخاب معينة، بينما تمنح طرق أخرى الأحزاب الصغيرة فرصاً أفضل. كما تدعم أنظمة انتخاب معينة المرشحين الذين تساندهم أحزابهم، وتفضل أخرى أولئك المرشحين الذين يحظون بشعبية لدى مواطني دوائرهم الانتخابية. يُستعرض في الآتي بعض الأنظمة الانتخابية المألوفة وكيف تؤثر في نتائج الانتخابات.

نظام الأكثرية

الانتخاب النسبي الشخصي
نظام الانتخاب النسبي
نظام انتخاب الأكثرية

يجب التمييز بين نوعين من نظام انتخاب الأكثرية: نظام انتخاب الأكثرية النسبية ونظام انتخاب الأكثرية المطلقة. عند اعتماد نظام الأكثرية النسبية يفوز الحزب أو المرشح الذي يحصل على العدد الأكبر من الأصوات. أما إذا اعتُمد نظام الأكثرية المطلقة، فعلى الحزب أو المرشح أن يفوز بالأكثرية المطلقة من الأصوات (٥١ بالمئة على الأقل). غالباً ما يتطلب الفوز بالأكثرية المطلقة إجراء عدة دورات انتخابية، ولا يُسمح بالمشاركة في الدورة الثانية إلا للأحزاب أو المرشحين الذين حصلوا على أكثر الأصوات في الدورة الأولى. يُنتخب رئيس الجمهورية في فرنسا بهذه الطريقة مثلاً.

تستفيد من نظام الأكثرية مبدئياً الأحزاب الكبرى أو الأحزاب ذات المعاقل المحلية. أما الأحزاب أو المرشحون الذين لا يفوزون بالأغلبية المطلقة أو البسيطة للأصوات في دائرة انتخابية معينة، فلا يستفيدون من نظام الأكثرية بشيء. وبالتالي فإن نتيجة تلك الانتخابات لا تعبر بشكل مباشر عن إرادة الناخبين.

نظام الانتخاب النسبي

يختلف الأمر بالنسبة لنظام الانتخاب النسبي، فهنا تتوافق نسبة المقاعد التي يحصل عليها حزب ما مع نسبة الأصوات التي حصل عليها، مما يعني أن حتى الأحزاب الصغيرة جداً تستفيد من ذلك، فيحصل الحزب الذي فاز باثنين بالمئة من الأصوات على اثنين بالمئة من المقاعد البرلمانية. من محاسن نظام الانتخاب النسبي أنه يعكس إرادة الناخبين بشكل دقيق. لكنه في ذات الوقت يؤدي إلى تشرذم مشهد الأحزاب سريعاً لأن حتى أصغر الأحزاب تحصل على مقاعد. ومن الصعوبة بمكان في برلمان يوجد فيه عدد كبير من الأحزاب الصغيرة حشد أغلبيات متينة وتشكيل حكومة مستقرة. ليست هذه المشكلة واردة كثيراً في نظام انتخاب الأكثرية. ومن أجل منع التجزئة ثمة في نظام الانتخاب النسبي غالباً عتبة يجب على الأحزاب تجاوزها، أي لا تُعطى مقاعد إلا للأحزاب التي حصلت على نسبة دنيا من الأصوات (ثلاثة أو خمسة أو عشرة بالمئة مثلاً). يسهّل ذلك تشكيل الحكومة، لكنه في نفس الوقت لا يعبر عن إرادة الناخبين بشكل دقيق.

الانتخاب النسبي الشخصي

نظام الانتخاب النسبي الشخصي الذي يُنتخب البرلمان الألماني على أساسه يربط بين بعض جوانب كل من انتخاب الأكثرية والانتخاب النسبي. لكل ناخب في ظل هذا النظام صوتان، يدلي بالأول منهما لينتخب به مرشحاً من مرشحي دائرته الانتخابية. يُعتبر كل مرشح يفوز بأكثرية الأصوات منتخباً ويحصل على مقعد في البرلمان. وإن حصل مرشحان على نفس العدد من الأصوات، يحدَّد فوز أحدهما عن طريق القرعة. يُمنح نصف عدد مقاعد البرلمان الألماني عن طريق الصوت الأول الذي يدلي به الناخبون.

أما بصوته الثاني فلا ينتخب الناخب مرشحاً معيناً، بل يصوت لحزب. يجمع هذا الحزب مرشحيه في قائمة انتخابية. وحسب عدد الأصوات التي يحصل عليه الحزب على المستوى الوطني يحصل عدد معين من مرشحي القائمة على مقاعد في البرلمان. توزَّع المقاعد حسب ترتيب المرشح على القائمة الانتخابية، أي كلما كان مرشح في مرتبة أعلى في القائمة، كلما كانت فرصته أفضل للحصول على مقعد برلماني، حسب النسبة التي فاز بها حزبه. يُسوّى عدد المقاعد التي يفوز بها حزب ما عن طريق مرشحي الدوائر الانتخابية مقابل مقاعد الأصوات الثانية، بحيث تحدد نسبة الأصوات الثانية لكل حزب قوته في البرلمان.

يمنح الانتخاب المباشر المرشحين الذين ينشطون في دائرتهم الانتخابية ويحظون بشعبية لدى الناخبين فرصة جيدة لدخول البرلمان، بينما يعطي الانتخاب عبر القوائم الفرص الأفضل للمرشحين الذين يساندهم حزبهم. صحيح أن الحزب هو الذي يحدد مرشحي القوائم ومرشحي الدوائر الانتخابية على حد سواء، لكنه يراعي شعبية المرشح لدى اختيار المرشحين للانتخاب المباشر. فكلما كانت شعبيته أكبر، كلما كانت فرصه بالفوز على مرشحي الأحزاب الأخرى أفضل.

الدوائر الانتخابية

إلى جانب نظام الانتخاب يعتبر توزيع الدوائر الانتخابية حاسماً لنتيجة الانتخابات. الدائرة الانتخابية هي المحلة الانتخابية التي يحسم فيها الناخبون شغل مقعد أو عدة مقاعد برلمانية. يجب مراعاة مبدأ المساواة عند تقسيم منطقة إلى دوائر انتخابية. يتطلب هذا المبدأ في الحالة المثالية أن يكون عدد الناخبين في الدوائر متساوياً. ولكن في الواقع لا يمكن تطبيق ذلك بسهولة، وإذا تفاوت عدد الناخبين من دائرة إلى أخرى بشكل كبير، تغير بذلك ثقل صوت الناخب الفرد حسب انتمائه إلى دائرة انتخابية معينة، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ المساواة.

ولكن حتى إذا كانت أعداد الناخبين في الدوائر الانتخابية متساوية يمكن أن يكون تقسيمها غير عادل. فحسب تقسيم الدوائر الانتخابية يمكن إحراز نتائج عالية جداً لحزب معين في عدد قليل من الدوائر، بينما يحصل الحزب الآخر على أغلبيات بفارق بسيط في عدد كبير من الدوائر الأخرى. هكذا يحصل حزبان على نفس عدد الأصوات (أو، كما في المثال، يحصل الحزب الأول على أصوات أكثر من الثاني)، بينما ينال الحزب الثاني مقاعد أكثر بكثير بسبب تقسيم الدوائر الانتخابية. وبذلك يلعب تقسيم الدوائر الانتخابية دوراً حاسماً في إقامة انتخابات عادلة وديمقراطية.

تنزيل