من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١٢ العمل التطوعي

يُعد العمل التطوعي عنصراً مهماً في تسيير شؤون الحياة على المستوى المحلي. حيث لايمكن إنجاز الكثير من المهمات – حتى في دول غنية – دون وجود أشخاص تنشط للعمل في بلديتها دون مقابل مادي أو مقابل أجور زهيدة تُدفع بمثابة بدل نفقات. كذلك فإن إمكانية تطبيق أشكال محددة من الإدارة السياسية الذاتية دون الإستعانة بالعمل التطوعي تكاد أن تصبح شبه مستحيلة.

للعمل التطوعي تقليد عريق. فقد كان على كل شخص (ذكر) في المجتمعات الحضرية في اليونان القديمة أن يعمل من أجل الجماعة وأن يتكلم خلال الإجتماعات عن شؤون المدينة. حيث لم يعتبر رجل الدولة الأثيني بريكليس، قبل قرابة ألفين وخمسين عاماً، من لم يشارك في إجتماعات كهذه وامتنع عن شؤون الجماعة مواطناً هادئاً وإنما اعتبره مواطناً سيئاً.

و من حيث المبدأ يجب التمييز بين العمل التطوعي كعنصر أساسي في هياكل التنظيم الإداري المحلي وبين العمل التطوعي في الجمعيات، والأحزاب، والنقابات على سبيل المثال.

وظائف إدارية وعمل تطوعي في فرق مكافحة الحريق والحماية من أخطار الكوارث

يعتبر العمل السياسي التطوعي مثالاً للاندماج الوثيق بهياكل التنظيم الإداري المحلي. حيث يتم من خلاله شغل كثير من المناصب والوظائف في الإدارة المحلية. فلا يتقاضى أعضاء برلمان البلدية (المجلس المحلي) راتباً وإنما يحصلون على بدل نفقات وحسب. ويهدف البدل إلى تعويض الأضرار التي يسببها العمل التطوعي لأعضاء البرلمان مثل عدم إمكانية العمل لكسب المال خلال الوقت الذي يستثمرونه في أداء عملهم التطوعي.

كذلك يعد العمل ضمن مؤسسات إطفاء الحريق التطوعية و غيرها من مؤسسات الحماية من الكوارث مثالاً آخر للأعمال التطوعية الراسخة في هياكل التنظيم الإداري المحلي، فعلى سبيل المثال تُؤمن مهمة مكافحة الحرائق والوقاية منها في كثير من القرى والبلدات في ألمانيا والنمسا وسويسرا وبولندا من قبل كوادر تطوعية عوضاً عن فرق الإطفاء المهنية المختصة. في حال إضطرار أعضاء فريق الأطفاء التطوعي مغادرة أعمالهم الإعتيادية من أجل أداء مهمة تطوعية، لا يؤثر هذا على إستمرارية دفع رواتبهم. حيث يتلقى رب العمل تعويضاً نقدياً من البلدية. بالإضافة إلى ذلك يتلقى كل عضو مبلغاً بسيطا كبدل نفقات. تعد هذه الطريقة أقل تكلفة من تمويل جهاز إطفاء محترف. إلا أنها تكشف عن بعض الثغرات. فعلى سبيل المثال قد يحدث أن لا يلبي العدد الكافي من أعضاء كادر الإطفاء التطوعي النداء بالسرعة المطلوبة،نظراً لتواجد البعض منهم في هذا الوقت في أماكن بعيدة عن موقع المهمة. علاوة على هذا يفقد العمل الشرفي في مجال مكافحة الحرائق بشكل متزايد من جاذبيته خلال العقود الماضية. وهو أمر مؤكد على كل الأحوال في ألمانيا. حيث أن التقدير المجتمعي الكبير التي أرتبطت به هذه الأعمال في السابق، بدأ يتراجع مع مرور السنوات. كذلك لايحبذ بعض أرباب العمل رؤية موظفيه يغادرون بشكل فردي أماكن عملهم لتلبية نداء طوارئ مما قد يسبب على سبيل المثال نقصاً في الإنتاج، وذلك على الرغم من حصولهم على تعويض كلفة الرواتب. علاوة على ذلك إزدادت الإمكانيات البديلة للقاء والتعرف على أشخاص آخرين. وقد خسر مركز إطفاء الحريق التطوعي أهميته كمكان إجتماعي في الريف. وأخيراً وليس آخراً لعب بدل النفقات، الزهيد جداً بالمقارنة مع أعمال تطوعية أخرى كعضوية البرلمان المحلي، دوراً في هذا التراجع. وبعد كل ذلك قد يخاطر أعضاء فريق الإطفاء في بعض الحالات بحياتهم من أجل خدمة الصالح العام. يواجه العمل التطوعي في مواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات الآخرى صعوبات مماثلة أيضاً. ففي هذه المجالات يجب اللجوء إلى كوادر تطوعية عندما لايكون بإستطاعة قوى الأمن والإنقاذ النظامية بما تملكه من كوادر ووسائل التغلب على الوضع بشكل ملائم بسبب حجم الكارثة.

جمعيات، وأحزاب، ونقابات

مقابل العمل التطوعي في هياكل الإدارة المحلية هناك إمكانيات آخرى كالعمل التطوعي في الجمعيات مثلاً. حيث يرتكز إهتمام العديد من الجمعيات على العمل في المستوى المحلي أيضاً. المجالات التقليدية للمساهمة التطوعية هي الثقافة والرياضة والعمل الشبابي. فعلى سبيل المثال يتطوع المواطنون ليعملوا كمدربي كرة قدم أو لتقديم دروس خصوصية مجانية في نوادي رعاية الطفولة والشباب لأطفال الأسر ذوي الدخل المحدود أو كمساعدين لدعم وتشجيع القراءة وذلك من خلال قراءتهم الكتب لأطفال المدارس الإبتدائية والإستماع إليهم عندما يقرأون بدورهم من أجل تحسين مهارة القراءة وزيادة الإهتمام بقراءة الكتب. عادة ما تدعم البلديات مشاريع الجمعيات في بلدتهم، لأن هذه المشاريع تحسن نوعية الحياة وتخفف من حدّة الخلافات الموجودة، من خلال تمكين الفقراء من الإشتراك بالفعاليات الرياضية والثقافية مثلاً وبذلك تواجه آثار التهميش الإجتماعي. يختلف نطاق العمل التطوعي من جمعية لآخرى. فمن الممكن أن يقتصر على العمل لساعات قليلة محدودة في الشهر أو أن يصبح هو العمل الأساسي للمتطوع، إذا لم يكن مضطراً للعمل من أجل كسب لقمة العيش كما هو الحال عند المتقاعدين مثلاً.

أيضاً يتم إنجاز الكثير من الأعمال في الأحزاب والنقابات من خلال العمل التطوعي. حيث لايمكن تصور القيام بحملة إنتخابات محلية بدون مساهمة المتطوعين، الذين يقومون بتثبيت الملصقات واللافتات الإنتخابية وتوزيع المنشورات ومناقشة المواطنين.

مسؤولية وتقدير إجتماعي

بإختيار العمل التطوعي يحمل الفرد مسؤولية في المجتمع الذي يعيش فيه. حيث يعمل من أجل تحقيق هدف معين وهو مقتنع بأن عمله هذا هام ويستحق الجهد المبذول. بهذه الطريقة يتم تحفيز التغيرات الإجتماعية و تعزيز أواصر الترابط الإجتماعي. إن الأجر الفعلي الذي يحصل عليه المتطوع هو توسيع علاقاته الإجتماعية ونيل تقدير وأحترام المجتمع. المهم أن يُنجز العمل الشرفي بشكل طوعي. حيث تصل المؤسسات الحكومية الشعبية الضخمة التي تجبر المواطنين بعضويتها إلى نتيجة عكسية تماماً، كما هو شائع في كثير من بلدان الشرق الأوسط.

كذلك في المجتمعات الديمقراطية هناك وظائف تطوعية قد يجبر المواطن على القيام بها. فعلى سبيل المثال يمكن توظيف المواطنين للعمل كمساعدي حملات إنتخابية مقابل حصولهم على بدل نفقات. ولا يسمح لهم أن يرفضوا القيام بالمهمة إلا في حال كان لديهم إلتزامات مهنية ملحّة، أو بسبب المرض، أو لأسباب مهمة آخرى، لكن النقطة الأخيرة صيغت بشكل موسع ليتمكن تقريباً كل مواطن لا يرغب بأن يتولى مهمة مساعد في حملة إنتخابية أن يجد عذراً محلاً. يعفيه من إلزامية هذه المهمة. السبب وراء هذا الإلتزام القسري هو عدم ضمان تنفيذ حملة إنتخابية منظمة بمشاركة عدد قليل جداً من المتطوعين. وهنا تتوضح التناقضات التي يمكن أن تحدث إذا لم يكن بمقدور الكوادر الحكومية النظامية القيام بالمهمات الحكومية الضرورية جداً وأصبح إنجازها مرهون بدعم العدد الكافي من المواطنين الذين يعتبرون ذلك واجباً ديمقراطياً.

تنزيل


852K كيلوبايت PDF