من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

٢٠ الإيرادات المحلية

تستطيع البلديات في إطار إدارتها الذاتية أن تتسلم العديد من المهام المختلفة و تحمل على عاتقها مسؤولية تنظيمها. ويشمل ذلك على سبيل المثال مجالات البنية التحتية (بناء الطرق، التزويد بالمياه والصرف الصحي، الإمداد بالطاقة، المواصلات المحلية العامة، جمع ومعالجة النفايات) والإسكان والتنظيم العمراني، والتربية (المدارس، روضات الأطفال) والصحة والرعاية (المشافي، دورالعجزة) والتعليم والثقافة (المسارح، المكتبات، المتاحف، دور الأوبرا) وكذلك الترفيه والراحة (الحدائق، الملاعب، المنشآت الرياضية). بالإضافة إلى هذه المجالات التي يمكن للبلديات إلى حد بعيد تولي مسؤولية تنظيم شؤونها، تستطيع الدولة أن تفوضها بتولي مهام معينة، ومن هذه الأمور مثلاً شؤون الأحوال الشخصية والسجلات.

ومن الضروري لتعزيز دور المستوى المحلي، أن تتولى البلديات مجالات عمل محددة تقوم بتنظيم شؤونها وتكون مخولة بإتخاذ القرارت المتعلقة بها بشكل مستقل. وفي الوقت ذاته يجب أن يتسع هامش الحركة في الموازنة للبلديات بشكل كافي لتمكينها فعلياَ من التغيير والتطوير ووضع نقط الإرتكاز في مجالات العمل المكلفة بها. حيث أنّ استقلالية البلديات تزداد بزيادة قوتها المالية.

وعموماً هناك ثلاث مصادر أساسية للدخل، تستطيع البلديات من خلالها تمويل ذاتها: الإيردادت الضربيية، والرسوم والأجور والاشتراكات التي يتوجب على المواطن دفعها مقابل الخدمات التي تقدمها البلدية، وأيضاً الدعم المالي من قبل المستويات الإدارية الأعلى (الإقليم، الدولة). وفيمايلي نعرض أمثلة لأنواع مصادر الدخل المختلفة للبلديات إستناداً للنموذج الألماني.

الضرائب

يتعلق مقدار ثراء أو فقر البلدية بشكل قطعي بإيراداتها الضربيية. الضرائب المحلية الأصلية في ألمانيا هي ضريبة الارباح الصناعية والتجارية والضريبة العقارية. يمكن التأثير سياسياً على الإيرادات التي يمكن أن تحصّلها البلدية من خلال هاتين الضريبتين. حيث يمكن أن تُعطى البلدية صلاحية تحديد قيمة الضرائب المذكورة بشكل ذاتي. وكلما ارتفعت قيمة الضرائب، ازدادت في بادئ الأمر الإيرادات أيضاً. ولكن في الوقت نفسه غالباً ما تكون الضرائب المرتفعة أمراً غير جذاب بالنسبة لأصحاب الأعمال وقد تؤدي إلى دفع الشركات والمشاريع للاستقرار في بلديات آخرى، تُلزمهم بدفع رسوم وضرائب أقل. إلا أن انتهاج سياسات محلية حازقة قادر على إحداث توازن بين هذين التأثيرين، كما يمكن لهذه السياسات الأخذ بعين الإعتبار بأن هناك عوامل أخرى – إلى جانب قيمة الضربية العقارية و ضريبة الأرباح الصناعية والتجارية – تلعب دوراَ في رغبة الشركات بالتوطن، مثل الربط الجيد بشكبة الطرق والمواصلات، والمدارس والروضات الجيدة، و العروض الثقافية الجذابة. أمّا إذا اعتمد تمويل البلدية بشكل خاص على الإيرادات الضريبية من بعض الشركات الكبيرة القليلة العدد، فهناك خطر أن تصبح رهينة لها. حيث يمكن لتهديدات أصحاب المشاريع بالانتقال لمكان آخر، في حال لم تنفذ البلدية مطالب اقتصادية أو سياسية محددة، أن تقود إلى سياسية المحسوبية، والتي ستؤذي البلدية ككل أكثر مما قد تنفعها.

يعتبر قرار السماح للبلدية بالإحتفاظ بجميع إيرادات ضريبة الأرباح الصناعية والتجارية والضريبة العقارية أو وجوب تحويل جزء منها للإقليم أو للدولة، قراراً سياسياً. تقدم البلديات في ألمانيا جزء من هذه الإيرادات و تحصل بالمقابل على حصة نسبية من ضريبة الدخل التي يتم دفعها في مناطقها الادارية. علاوة على ذلك تحصل على جزء من ضريبة المبيعات المحصّلة ضمن مناطقها أيضاً. وماهو أهم من نوع الضرائب التي تقوم البلدية بجبايتها هو إعتماد التمويل على ضرائب مختلفة. فلايزيد التمويل من خلال أنواع مختلفة من الضرائب إستقلالية البلديات فحسب، وإنما يؤمن إيرادات منتظمة. حيث أن الضريبة التجارية بشكل خاص مرتبطة بالنشاط الموسمي والحالة الإقتصادية، وبذلك لا تستطيع ضمان إنتظام العائدات.

الرسوم والأجور والإشتراكات

تشكل الرسوم والأجور والإشتراكات مصدراً ثانياً للدخل. يميز هذا النوع من العائدات تلاؤمها مع خدمات محددة تقدم بالمقابل: يدفع المواطن رسم محدد – ويحصل بالمقابل على جواز سفر. تدفع عائلة أجور إستخدام المسبح المحلي – وتمول بذلك تشغيل المسبح ذاته. يدفع مالك بيت إشتراكاً لكي يتم ربط عقاره بشبكة الطرقات العامة. هنا يحكم مبدأ تغطية التكاليف: فإستناداً لهذا المبدأ، لا يجوز أن تكون الرسوم الإدارية المحصلة في حالة إصدار الجواز أعلى من تكاليف إصداره الفعلية. وكذلك لايجوز أن يتجاوز مجمل إيرادات رسوم الدخول في حالة المسبح مجمل النفقات الضرورية للمحافظة على عملية تشغيل المسبح. وبالتالي يمنع مبدأ تغطية التكاليف فرض الهيئات الحكومية رسوم أو تكاليف أو إشتراكات بشكل إعتباطي.

وعلى نقيض الرسوم الإدارية من الممكن تطبيق التدرج على قيمة رسوم الخدمات. وهذا هو الحال بالنسبة للروضات في كثير من بلديات ألمانيا: حيث تتحمل العائلات ذات الدخل العالي جزء أكبر من التكاليف الإجمالية مقارنة بالعائلات ذات الدخل المحدود. غير أن مضمون هذا التدرج يجب أن يكون مفهوماً (مثلاً أن يكون متعلقا بالمعاش) ولا يصح ربطه بمعايير إعتباطية. فلا تعد مطالبة الأجانب بدفع رسوم روضة أطفال أعلى من التي يدفعها أبناء البلد أمراً مشروعاً. إلى جانب ذلك لا يجوز أيضاً تحصيل رسوم خدمات بقيمة إجمالية تتجاوز مجمل التكاليف الفعلية.

وختاماً ينبغي ذكر غرامات المخالفات المرورية مثل ركن السيارة في مكان غير مخصص أو تجاوز السرعة المحددة وغيرها من الجنح كمصدر دخل محتمل للبلديات. وخلافاً للرسوم التي يتطلبها على سبيل المثال إصدار جواز سفر، لاتفرض هذه الغرامات في المقام الأول لتغطية تكاليف خدمة مقدمة من البلدية (على سبيل المثال للرقابة المرورية)، وإنما هي تمثل مصدر دخل جانبي.

الدعم المالي

يوجد في جمهورية ألمانيا الإتحادية إلى جانب الضرائب والرسوم نوع آخر من الدخل، يمكن تسميته بالتعويض المالي للبلديات. ولا يهدف الدعم الذي تتلقاه البلدية في إطار هذه التعويضات من الولاية «لاند» (النظير الألماني للإقليم) بشكل عام إلى تحسين الوضع المالي للبلدية فقط، وإنما يلعب دوراً بتعديل الإختلافات في القوة المالية لكل بلدية. ويهدف إلى تفادي توفر ظروف معيشية عامة أفضل بكثير لسكان البلدات ذات القدرات المالية القوية مما هي عليه للمقيمين في البلدات الضعيفة مالياَ. فلو لم تكن هذه التعويضات موجودة، لكان هناك خطر متمثل برحيل الناس بشكل متزايد عن البلدات ذات القدرات المالية الضعيفة، مما قد يزيد من فقرها وذلك نتيجة فقدان إيرادات إضافية (ضرائب ورسوم). كذلك تهدف المبالغ المقدمة في إطار التعويضات المالية إلى دعم البلديات، التي تتحمل أعباء خاصة. فعلى سبيل المثال عندما تتواجد في إحدى البلدات مدرسة ثانوية لا يرتادها حصراً طلاب البلدة ذاتها وإنما أيضاً طلاب من البلدات المجاورة، دون أن تُلزم البلديات المجاورة بالمشاركة بتحمل تكاليف المدرسة، تحصل البلدية التي تتواجد فيها هذه المدرسة على تعويضات مالية. وقد تكون المبالغ المدفوعة في إطار التعويض المالي مرصودة لهدف معين، أي أن يتم تحديد الأمور التي سوف تمولها هذه المبالغ مسبقاً. إلا أن هناك مبالغ مرصودة تمتلك البلدية إمكانية التصرف بها بحريةً.

تنزيل


895K كيلوبايت PDF