من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١١ برلمان البلدية

يتم إتخاذ كثير من القرارات التي تخص الحياة اليومية للفرد على المستوى المحلي. كيف تبدو الإجراءات الديموقراطية المتعلقة بالتخطيط وإتخاذا القرارات وتطبيقها ضمن هذا المستوى بشكل محسوس؟ هذا ما يجب توضيحه بشكل نموذجي فيمايلي: ماهو شكل الصياغة المثالية لخطوات طريق يبدأ على سبيل المثال برغبة بعض المواطنين، بإقامة حديقة عامة جديدة وينتهي بالإنشاء الفعلي لهذه الحديقة؟

تجميع وربط الأفكار

لنفترض أن مجموعة من الشباب ترغب بأن تتحول أرض عقارية كان فيها سجناً لجهاز الإستخبارات سابقاً وهي مهملة منذ أشهر لحديقة عامة تتوفر فيها مناطق للرحلات الخلوية والشواء. لتحقيق مبتغاهم هذا فإن الحكمة تقضي بأن يباشروا بمحاولة إقناع أكبر عدد ممكن من المواطنين الآخرين بدعم إنشاء حديقة كهذه. لذا فمن المهم نشر المعلومات عن فكرتهم أولاً – عن طريق نشر المنشورات مثلاً – و التعرف إلى تصورات المواطنين الآخرين حول تصميم الحديقة العامة. كذلك يمكن تنظيم فعاليات يدعى إليها جميع المواطنين المهتمين بالموضوع وربما يبرز من خلال ذلك وجود مجموعة من الأشخاص ترغب بإستخدام المساحة لإقامة نصب تذكاري. هنا ينبغي إيجاد حلول توافقية والبحث عن إمكانية تطبيق الفكرتين معاً. من جهة يجب الوصول في نهاية هذه المرحلة لتشكيل مجموعة من الأشخاص مستعدة للعمل من أجل تطبيق المشروع بأكمله من خلال تأسيس جمعية مثلاً. ومن جهة أخرى يجب تطوير مخطط أولي يبين الشكل التصوري للحديقة والنصب التذكاري و تعلّل فيه ضرورة تحقيق هذا المشروع. على أن يعكس المخطط أفكار أكبر قدر ممكن من الفئات ذات المصالح المختلفة (العائلات، وكبار السن ،والشباب، وكل من مؤيدي الحديقة أو النصب التذكاري). ويمكن لقائمة جمع تواقيع إبراز العدد الفعلي لداعمي المشروع.

تقديم إقتراح محدد لبرلمان البلدية

بعد إتمام وضع المخطط التصوري تأتي خطوة إقناع برلمان البلدية بتداول الموضوع. يعد برلمان البلدية هيئة القرار العليا في البلدية وهو منبثق عن إنتخابات عامة وحرة.

من الحكمة أن يتوجه ممثلو الجمعية إلى أعضاء برلمان البلدية لإكتساب دعمهم للمشروع. فإذا نجح الأمر، سيسعى أعضاء البرلمان لإدراج موضوع «إقامة حديقة عامة ونصب تذكاري» على جدول أعمال إحدى جلسات البرلمان القادمة. حيث لا يتم معالجة إلا المواضيع المدرجة على جدول الأعمال. لذا يمتلك من يقرر جدول الأعمال سلطة كبيرة. فلو كان لرئيس البلدية الذي يترأس البرلمان صلاحية إقرار جدول الأعمال، لتمكن من تجاهل المواضيع التي يعلم مسبقاً ان أغلبية الأعضاء لا تدعم موقفه منها. لهذا السبب ينبغي أن يكون لدى برلمان البلدية حق المشاركة في الرأي أو على الأقل إمكانية التصحيح. على سبيل المثال يمكن إتخاذ القرار بوجوب وضع موضوع ما على جدول الأعمال القادم، إذا ما حصل على دعم ربع أعضاء البرلمان.

العلنية والتوثيق الخطي

يتم نشر جدول أعمال برلمان البلدية وكذلك تعقد الجلسات بشكل علني. إلا في حالة مناقشة أمور تمس الحقوق الشخصية. يجب تعليل السرية دائماً حيث لايمكن إختيارها بشكل إعتباطي. هذا يعني إمكانية حضور جميع أعضاء جمعية إنشاء الحديقة العامة والنصب التذكاري وكذلك جميع السكان المهتمون بالموضوع للجلسة المعنية ليكون لديهم صورة واضحة عن الأعضاء الذين يدعمون مطلبهم أو يعارضوه وليستمعوا إلى حججهم في ذلك و تُظهر الجمعية بشكل واضح من خلال حضورها بأن مطلبها هام لكثير من المواطنين. مما قد يثير إعجاب الأعضاء الذين يمثلون عدداً كبيراً من المواطنين والمهتمين بإعادة إنتخابهم وقد يؤثر على آرائهم بلا شك. يتم تثبيت مقررات الجلسة بتدوينها خطياً في محضر الجلسة. بذلك تبقى القرارات مفهومة لجميع الأطراف، حتى بعد فترة زمنية طويلة. يجب أن يُقر برلمان البلدية محضر الجلسة قبل أن يُعتبر ساري المفعول. وعادة يتم إقراره في الجلسة التالية. وتعتبر هذه الطريقة الضمان الوحيد لعدم حصول أي تلاعب. علاوة على ذلك يتوجب نشر المقررات علناً، حيث يمكن نشرها في الصحيفة الرسمية مثلاً.

إشراك المختصين و أصحاب المصالح

غالباً لا يتخذ برلمان البلدية قراراً خلال الجلسة الأولى المخصصة لمناقشة إنشاء حديقة عامة وإقامة نصب تذكاري. فعادة ماتتم مناقشة القرارات المهمة بشكل أولي ضمن لجان مختصة. لا تصدر هذه اللجان أي قرارات ولكنها تقدم الإقتراحات وخاصة حينما تكون دراسة المشروع غير ناضجة. كما يمكن لهذه اللجان إقتراح إستشارة الخبراء و مجموعات أصحاب المصالح المتعددة. تتداول اللجان الموضوع ضمن جلسات مغلقة لكي يتمكن أعضاؤها من الكلام بكل صراحة دون أي تأثير. إلى جانب أعضاء البرلمان يشارك في كثير من اللجان «سكان ذوي خبرة». أي مواطنون ناشطون، يتم ترشيحهم من قبل الأحزاب الممثلة في البرلمان لأنهم على إلمام بالموضوع المطروح للمعالجة. حيث أن الغاية الأساسية هي إشراك أكبر عدد ممكن من فئات المواطنين المعنية للوصول إلى توافق مجتمعي واسع لمشروع «حديقة عامة و نصب تذكاري» والتعرف في أقرب وقت ممكن إلى التحفظات القائمة بخصوص المشروع إذا ما دعت الحاجة لذلك.

في الحالة المثلى يتم تحضير تصور أولي ذو طبيعة توافقية تحت إشراف رئيس البلدية ويتم تقديمه لبرلمان البلدية للتداول. المهم في أخر الأمر أن يكون برلمان البلدية هو صاحب القرار بإنشاء حديقة عامة وإقامة صرح تذكاري وهو من يحدد كيفية التطبيق في حال وافق على المشروع وليس الخبراء أو المجموعات الأهلية.

التمويل

النقطة المهمة التي يجب توضيحها قبل التصويت على المشروع هي عملية التمويل، حيث تعتبر مسألة غير معقدة إذا ماامتلكت البلدية ميزانية كافية. ويصبح الأمر أصعب، إذا ماكانت المبالغ اللازمة غير متوفرة. في هذه الحالة يمكن البحث عن جهات ترعى المشروع كوسيلة للتمويل. إلا أن التبرعات الضخمة المقدمة من قبل مواطني البلدية المعنية بالذات ممكن أن تسبب إشكالية، على الأقل عندما يعتقد المتبرع بحكم المبالغ التي تبرّع بها أن من حقه المشاركة بالتخطيط للمشروع أو أن يطالب بخدمة بالمقابل.

بغض النظر عن مسألة تأمين تكاليف البناء، يجب أن تتم دراسة إمكانيات تغطية المصروفات الجارية الخاصة بالحديقة والنصب التذكاري مابعد مرحلة البناء. هل تتولى إدارة البلدية العناية بالنباتات و صيانة تجهيزات ملاعب الأطفال وتأمين الكادر للنصب التذكاري؟ وقد يكون من الحكمة ترك العناية بالحديقة لبعض الجمعيات. حيث أن هذه الطريقة لا تخفف العبء عن صندوق البلدية فحسب وإنما تزيد من ارتباط الناس بالمشروع و تحملهم المسؤولية تجاهه. وفي الوقت نفسه يجب أن يكون الإستمرار برعاية الحديقة والنصب التذكاري مضموناً في حال تم حل الجمعية أو لم تعد تمتلك أموالاً كافية.

إعلان استدراج العروض

في حال أقر برلمان البلدية المشروع وحدد شكل الحديقة العامة والنصب التذكاري و تم التأكد من ضمان التمويل يُعلن القرار رسمياً. بعدها يباشر القسم الهندسي في إدارة البلدية بالتخطيط العملي للمشروع. هنا يتم أخذ آراء و إعتراضات الهيئات الحكومية و جمعيات البيئة و شؤون المعاقين بعين الإعتبار وكذلك إحترام الشروط القانونية للوقاية من الحريق. ففي نهاية المطاف يجب أن لايقتصر الإهتمام على إنشاء حديقة تنال إعجاب العدد الأكبر من المواطنين فقط وإنما أن تكون حديقة مصممة لتراعي إحتياجات المعاقين وتسمح لمركبات إطفاء الحريق للوصول في حال وقوع خطر جدي. تعمل الإدارة في خدمة البرلمان وعلى تطبيق قراراته (أو قرارات إحدى الهيئات الحكومية الأعلى) السياسية. إلا أنها لاتستطيع التصرف بدون توكيل بالمهمة، حيث أن موظفي الإدارة بعكس أعضاء البرلمان أشخاص غير منتخبون. فور طرح إعلان استدراج عروض عام للمشروع، يمكن لجميع الشركات التي ترغب ببناء الحديقة أو أقسام منها أن تتقدم بعرضها للفوز بالمناقصة. ينبغي على برلمان البلدية عادة أن يختار الشركة التي تقدم العرض الأقل تكلفة مع التقيد بالنوعية المطلوبة. فضلاً عن إعطاء أهمية لخبرة الشركة بتنفيذ مشاريع كهذه مما يعني إتمام المشروع بنجاح. تتابع الإدارة عملية البناء ليتم الإلتزام بالشروط المتفق عليها و من ضمنها التكاليف.

من المؤكد أن التنفيذ لا يتم على أرض الواقع بشكل مثالي ودون أي صعوبات. قد يحدث مراراً وتكراراً أن يكون المواطنون غير سعداء بقرارات برلمان البلدية أو أنهم لايشعرون بجدية إشراكهم بالموضوع أو أنهم على سبيل المثال قد فوتوا فرصة الإعتراض خلال المدة المحددة. وقد تطول جداً مدة إنهاء تنفيذ مشاريع ضخمة كهذه لإشتراك فئات ومجموعات كبيرة مختلفة فيها. إلا أن المنهج الذي تم وصفه هنا يمثل إمكانية جيدة لإشراك فئات مختلفة من الناس بتنظيم قضاياهم بطريقة ديمقراطية.

تنزيل


1,5 كيلوبايت PDF