من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١ مشاركة التلاميذ في اتخاذ القرار
والتنظيم الذاتي في المدارس

المساهمة في تشكيل المجتمع بشكل بناء أمر يجب على المرء تعلمه، ويستحسن أن يبدأ ذلك في سن مبكرة. وللمدرسة كمؤسسة دور محوري في ذلك، يتعدى كثيراً مجرد نقل المعرفة. قد تركز المدرسة على الطاعة والانضباط وتربي الأطفال والشباب بحيث يصبحون «رعايا»، وكان هذا النموذج هو السائد عالمياً إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي. كما يمكن للمدرسة أيضاً أن تصنع «مواطنين كاملي الأهلية»، فالمدرسة التي تقوم على هذا الأساس تمكّن الطلبة من التفكير المستقل والنقدي والتصرف المسؤول، كما تربيهم على قيم الحرية والديمقراطية والتسامح واحترام الآخرين وتقدير القناعات المختلفة، وتشجع على روح السلمية في إطار التفاهم بين الشعوب، وتوضح المفاهيم الأخلاقية والقيم الثقافية والدينية، كما تدعم التصرف الاجتماعي والمسؤولية السياسية، وتؤهل لإدراك الحقوق والواجبات في المجتمع.

ولا يمكن أن تنجح تربية الأطفال والشباب ليكونوا مواطنين مؤهلين، إلا إذا تعلموا في الحياة المدرسية اليومية كيفية التنظيم الذاتي والتعبير عن مصالحهم وانتخاب نواب عنهم والتميز بين المصلحة العامة والمصالح الفردية والموازنة بينهما. على هذه الخلفية أصبح مألوفاً في كثير من الدول إشراك التلاميذ في تنظيم الحياة المدرسية، بل ليس التلاميذ فحسب: فلأهاليهم ومعلميهم أيضاً حق المساهمة في اتخاذ القرارات. وستُشرح في الآتي بشكل نموذجي آلية هذه المساهمة ضمن إطار التنظيم الذاتي في المدارس.

إدارة المدرسة

يلعب مدير المدرسة دوراً محورياً ضمن تنظيم المدرسة الذاتي، فهو يتحمل المسؤولية الكاملة في تسيير الحياة المدرسية، كما يمثل المصالح العامة للمدرسة داخلها وخارجها. من مسؤوليته أيضاً اختيار المعلمين والمربين، ولا يحق للسلطات التربوية أو حتى لوزير التعليم أن يفرضوا عليه من يجب أن يوظفه لديه. كما أنه مسؤول عن إعداد برنامج المدرسة وتطبيقه، أي تطوير محاور تربوية خاصة تركز عليها مدرسته.

إلا أن مدير المدرسة لا يقرر في هذه الشؤون بانفراد، بل بالتعاون مع أربع هيئات هامة داخل المدرسة، هي مؤتمر المدرسة، ومؤتمر المعلمين، ومجلس الأهالي، ومجلس التلاميذ. وبينما يمثل مؤتمر المدرسة هو الآخر المصالح العامة للمدرسة، فإن بقية الهيئات الثلاث تمثل إلى جانب ذلك رغبات مجموعاتها، كل على حدة.

مؤتمر المدرسة

مؤتمر المدرسة هو الهيئة العليا للتشاور واتخاذ القرارات في إطار التنظيم الذاتي للمدارس، وهو يخدم التعاون بين كل من التلاميذ والأهالي والمعلمين وإدارة المدرسة. يملك مدير المدرسة وممثلو المعلمين والتلاميذ والأهالي حق التصويت في مؤتمر المدرسة. وفقاً لبعض نماذج المشاركة في اتخاذ القرار، يتم تمثيل المعلمين والأهالي والتلاميذ بأعداد متساوية في مؤتمر المدرسة، لضمان تساوي الحقوق بينهم، بينما في حالات أخرى يكون للتلاميذ ممثلون أقل. المهم هنا أنه ليس لمدير المدرسة حق الاعتراض. عليه أن يقنع أكثرية أعضاء مؤتمر المدرسة برأيه، ولا يمكنه اتخاذ القرارات بنفسه.

ما هي مهام مؤتمر المدرسة عادةً؟ إحدى وظائفه الهامة انتخاب مدير المدرسة، فكلما شغرت وظيفة مدير مدرسة، يتم الإعلان عنها رسمياً، ثم يختار مؤتمر المدرسة من بين طالبي الوظيفة من يعتبره الأفضل. من شأن ذلك تشجيع تعاون بنّاء بين إدارة المدرسة والمعلمين والأهالي والتلاميذ منذ البداية.

كما يحدد مؤتمر المدرسة برنامج المدرسة، أي ما تركز عليه المدرسة من أهداف ومناهج تربوية بشكل خاص. يجب أن تتفق هذه البرامج مع الإطار العام الذي يحدده القانون، فلا بد مثلاً أن يتعلم التلاميذ في المدرسة الابتدائية القراءة والكتابة. أما المناهج التربوية التي تُستخدم لهذا الغرض فهي شأن تستطيع المدرسة أن تقرر فيه بنفسها. إلى جانب ذلك يمكن للمدرسة أن تقدم برامج خاصة، مثل دروس إضافية في التمثيل المسرحي أو الفنون أو الموسيقى.

من مهام مؤتمر المدرسة أيضاً وضع أسس بخصوص كمية الوظائف المنزلية للتلاميذ أو تحديد ساعة بدء الدروس صباحاً. أما غير ذلك، فيُعِدّ مؤتمر المدرسة نظاماً داخلياً للمدرسة يحدد على سبيل المثال ما هي البضائع التي يجوز بيعها في المدرسة (كأنواع الحلوى مثلاً)، أو من يُسمح له أن يروج لمنتج معين في المدرسة أو من يُسمح له أن يدعم فعالياتها مالياً.

مؤتمر المعلمين

إلى جانب مؤتمر المدرسة يعتبر مؤتمر المعلمين هيئة محورية في إطار المشاركة في اتخاذ القرار في المدرسة، فهو هيئة للتشاور والقرار لجميع المعلمين والمربين العاملين في مدرسة ما، وجميعهم أعضاء فيه. يتباحث ويقرر هذا المجلس في القضايا التربوية والتخصصية في الدرجة الأولى، وذلك بالتنسيق مع مؤتمر المدرسة. يحدد مؤتمر المعلمين أسساً عامة بخصوص نوعية وحجم وتوزيع الاختبارات التي تُكتب في الصف مثلاً، ويختار الكتب المدرسية ووسائط التدريس الأخرى، ويقرر في شؤون التأهيل الإضافي للمعلمين والمربين. كما أنه يختار من يصوتون عنه في مؤتمر المدرسة.

لا يجوز للمعلمين أن يعبروا عن آراء سياسية أو دينية في المدرسة، بل المطلوب منهم أن يُبدوا حياداً في هذه القضايا. ويعني هذا مثلاً أنه لا يجوز للمعلمين أن يروجوا لحزب سياسي معين أو أن يقدموا ديناً معيناً باعتباره الدين الصحيح الوحيد. للتلاميذ الحق في ألا يتعرضوا لمثل هذه الدعاية.

مجلس التلاميذ

كما ذُكر، فإن للتلاميذ، وهم المجموعة الأكبر في كل مدرسة، حقوقاً ملموسة في المشاركة في اتخاذ القرارات. ينتخب تلاميذ كل صف ممثلاً عن صفهم في بداية كل سنة مدرسية، ويشكل ممثلو الصفوف المنتخبون بمجموعهم مجلس التلاميذ. يقوم هذا المجلس بانتخاب ممثل عن جميع تلاميذ المدرسة ونائب له، أو ينتخبه التلاميذ في عملية انتخابية منفصلة.

يختار مجلس التلاميذ بدوره مندوبيه لمؤتمر المدرسة من بين صفوفه. من أجل الحصول على حق التصويت في مؤتمر المدرسة يجب أن يكون التلميذ قد تجاوز صفاً معيناً. عادة يعتبر الصف السابع هو الحد الأدنى بالنسبة لحق التصويت، إلا أنه يمكنهم المشاركة قبل ذلك أيضاً كأعضاء استشاريين في بعض الأحيان.

يمثل أعضاء مجلس التلاميذ مصالح التلاميذ المدرسية داخل المدرسة وأمام السلطات التربوية. باستطاعتهم تنفيذ مشاريع يختارونها بأنفسهم وعلى مسؤوليتهم، أي أن يصدروا جريدة للتلاميذ مثلاً. كما يجوز لهم أن يُبدوا موقفاً من قضايا سياسية خاصة بالتعليم، بمعزل عن موقف إدارة المدرسة أو المعلمين أو الأهالي. يُنتخب مجلس التلاميذ من قبل التلاميذ، ولا يمكن عزل أعضائه إلا من قبل التلاميذ. كما لا يحق لإدارة المدرسة إقالة ممثلي التلاميذ حتى إن كانت غير راضية عن رأيهم في القضايا التعليمية.

مجلس أهالي التلاميذ

وفقاً لمبدأ المشاركة في اتخاذ القرار في المدرسة تتم دعوة أهالي التلاميذ إلى اجتماعات دورية داخل الصفوف. يشارك في هذه الاجتماعات إلى جانب آباء التلاميذ المعلم الرئيسي أو المعلمة الرئيسية للصف. تخدم اجتماعات الأهالي الحصول على معلومات وتبادل الآراء حول القضايا المدرسية، وخاصة تلك التي تهم الصف نفسه، على ألا تُتداول المواضيع المتعلقة بتلميذ بعينه إلا بموافقة والديه. أما إذا كان عمر التلميذ المعني يتجاوز ١٤ سنة، فالمطلوب عادةً أن يوافق هو شخصياً على طرح قضيته في اجتماع الأهالي. يختار مجلس الأهالي من بين صفوفه في بداية كل سنة مدرسية ممثلين عنهم، يمثلون مصالح الأهالي في مدرسة أطفالهم وأمام السلطات التربوية. يشكل ممثلو الأهالي من جميع صفوف المدرسة مجلس أهالي التلاميذ، ويختار الأخير بدوره ناطقاً باسم أهالي تلاميذ المدرسة ونائبه ومندوبين عنهم لمؤتمر المدرسة.

جمعيات لدعم المدرسة،
وسطاء حل الخلافات، الرعاية

إلى جانب الهيئات المذكورة هناك إمكانيات أخرى للأهالي والمعلمين والتلاميذ للنشاط في مدرستهم أو من أجلها. فيمكن لكل من يريد أن يدعم مدرسة ما أن يلتحق كعضو في جمعية لدعمها. من شأن جمعيات كهذه أن تموّل أو تنظم دورات تعليمية إضافية في المدرسة (دورات للغة أجنبية مثلاً، أو حفلات موسيقية)، أو أن توفر مواد تعليمية لا تستطيع المدرسة أن تقتنيها بنفسها (مثل أجهزة رياضية لدروس الرياضة، أو معدات لعب، وأحواض رمل للعب في باحة المدرسة، إلخ). تمول جمعيات الدعم هذه نفسها عبر اشتراكات الأعضاء وعن طريق بيع الحلوى أو المشروبات لدى فعاليات المدرسة مثل حفلات الصيف أو حفلات الرياضة، كما تساهم غالباً في إقامة هذه الفعاليات أيضاً. جمعيات دعم المدرسة مستقلة عن الهيئات المدرسية وإدارة المدرسة. فإذا كانت إدارة المدرسة أن تحصل على مال من الجمعية لمشاريع معينة، عليها أن تقدم طلباً بذلك، وقد يُقبل أو يُرفض هذا الطلب.

غير ذلك، فهناك فرص عديدة لمشاركة التلاميذ في عمليات اتخاذ القرار في حياتهم المدرسية اليومية خارج إطار العمل في الهيئات المنتخبة أيضاً. فللتلاميذ كلمة مثلاً في شأن تشكيل غرفة صفهم أو تشكيل فناء مدرستهم أو في شأن مضامين بعض الدروس (اختيار كتاب تعليم اللغة الإنجليزية أو اختيار الحيوان الذي يكون موضوع مادة علم الأحياء). علاوة على ذلك جرت العادة أن يقوم التلاميذ بتقييم أداء معلميهم. ثم هناك نموذج «وسطاء حل الخلافات»، وهو أن يقوم بعض التلاميذ المدرَّبين بدور الوسطاء، ويمكن التوجه إليهم في حال وجود خلافات بين التلاميذ. يتعلم الأطفال والشباب بهذه الطريقة حل الصراعات بأنفسهم. كما أنه من الأمور الرائجة أن يقوم بعض التلاميذ في الصفوف العليا برعاية بعض التلاميذ الأصغر سناً، فيشرحون لهم بعض الأمور المتعلقة بالحياة اليومية في المدرسة، أو يساعدونهم في كتابة واجباتهم المنزلية. هكذا يتعلم الشباب مراعاة من هم في موقع أضعف منهم وتحمل المسؤولية.

الاتصال بالسياسيين

إضافةً إلى الهيئات المذكورة داخل المدرسة، ينبغي أن تكون هناك لجان للأهالي والمعلمين والتلاميذ تتكون من ممثلي المدارس الموجودة في حي سكني أو منطقة معينة. تتيح هذه اللجان فرصة للتشاور مع ممثلي المدارس الأخرى والاتفاق على مطالب مشتركة معهم. إلى جانب ذلك يستطيع ممثلو هذه اللجان أن يقدموا المشورة للسياسيين المحليين المنتخبين الذين يعتبر التعليم من اختصاصهم، أو أن يشاركوا في اتخاذ قرارات سياسية في مسائل معينة. هكذا تُنقل تجارب المدرسة إلى سياسة التعليم.

إدارة المدرسة مؤتمر المدرسة مؤتمر المعلمين مجلس التلاميذ التلاميذ الأهالي مجلس أهالي التلاميذ

تنزيل


٥٧٨ كيلوبايت PDF