من رعية إلى مواطن: نصوص حول الديمقراطية والمشاركة المحلية

١٦ مشاركة الشباب

عندما بدأت الاحتجاجات في ربيع 2011 في سوريا، كان الشباب هم من نظم المظاهرات السلمية وهم من تقدم للمطالبة بالمزيد من المشاركة في صنع القرار والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. حيث تشكلت مجموعات تنسيقية مستقلة عديدة (تنسيقيات). وعندما أدركت الأحزاب الكردية مقدار قوة جاذبية هذه المجموعات التنسيقية لدى الكثير من الشباب في المناطق الكردية أيضاً، أسست منظمات شبابية خاصة بها ومقرّبه منها. وأضعفت بهذه الطريقة المجموعات المستقلة. اليوم أصبح دور هذه التنسيقيات شبه معدوم.

ويبدو الوضع في دول الشرق الأوسط الأُخرى مشابهاً، حيث لم يتبّقى إلا القليل من الشباب ممن نزلوا الشارع بأعداد كبيرة في مصر وتونس من أجل فرض تغيير نظام الحكم،في مواقع تمكنهم من المشاركة في توجيه مسارات التطور السياسي. وتعتبر هذه المشكلة جوهرية: فمن جهة ترتفع نسبة الشباب مقارنة بالفئات العمرية الأخرى في مجتمعات الشرق الأوسط، وعندما لا يجد هؤلاء الشباب فرصة للمشاركة في القضايا المجتمعية، تكون النتيجه هي الانسحاب والاحباط وليس نادراً التطرف (الديني) أيضاً ومن جهة أخرى يغيب مع انسحاب الشباب رأي مهم في الحوار السياسي، حيث أن الشباب، الذين لم يجدوا موقعهم في المجتمع بعد، هم غالباً أكثر انفتاحاً على التغيير من الاشخاص المسؤولين عن إعالة عائلة أو ممن يخشون فقدان وظيفتهم أو رفاهيتهم المادية (المتواضعة). إلّا أن ذلك كلّه لا يعني أن لدى الشباب الأفكار الأفضل أو أنهم أفضل الناس بشكل عام. ولكن ذلك يعني بكل تأكيد وجوب إيجاد الطرق المناسبة لإشراكهم في العملية السياسية. كيف يتجلّى ذلك بشكل ملموس؟ وماهي الإمكانيات المتاحة حالياً؟

المشاركة في المؤسسات القائمة

في البداية لابد من القول أن باستطاعة الشباب اليافعين طبعاً المساهمة في المؤسسات القائمة، حيث تضم الكثير من الأحزاب منظمات شبابية وهذا يسري على النقابات أيضاً. إلا أن المشاركة في العمل لا تُعدّ مجدية إلّا عندما لا يتمّ الزام الأعضاء بتبنّي مواقف المنظمة الأم بشكل تلقائي. بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يكون لدى الشباب ميزانية خاصة بهم، لكي يتمكنوا من تنظيم فعاليات أو ماشابه ذلك. ويجب أن تحرص المنظمة الشبابية بنفسها على تمثيل احتياجات واهتمامات الشباب. وقد يحدث خلال ذلك بأن تكتشف هذه المنظمة أنّ مواقف وآراء الشباب في أحزاب أُخرى أقرب من مواقف «الرجال المسنين» في حزبها، ممّا قد يؤدي إلى نشوء خلافات بينها وبين الحزب الأمّ وإلى حزم الشباب أمرهم و تفضيلهم العمل في منظمات مستقلة.

تأسيس منظمات مستقلة

يعد تأسيس مؤسسات جديدة خياراً بديلاً عن العمل في منظمات قائمة. إن ميزة التأسيس جليةً: فعلى سبيل المثال عندما يؤسس ويدير شبان وشابات مركز للشباب بأنفسهم، يمكنهم إتخاذ قرارت مستقلة بشأن العروض التي سيقدمها المركز، والفعاليات التي سوف ينظمها، والمواقف السياسية التي سيؤيّدها. فإذا تكلل عمل المركز بالتوفيق وارتاده الكثير من الشباب وتقبلته عائلاتهم أيضاً، فسيؤثر عندها بشكل مستديم على الجو العام خاصة في المدن الصغيرة. و ينجح ذلك بشكل خاصّ عندما تفتح مراكز الشباب أبوابها لاستقبال جميع السكان و ليس فقط أنصار حزب معين. وفي الوقت ذاته من الضروري أن يلتزم كل شخص يزور مركز كهذا أو يقدم فعاليات فيه بقواعد ديمقراطية محددة. إلى جانب ذلك لابد من أن يضع المركز الشبابي نظام أساسي خاص به تُحدد فيه قواعد إتخاذ القرارات. فمن الممكن مثلاً عقد إجتماع عام أسبوعي يشترك فيه جميع الشبان والشابات ممن ينظمون أو يرغبون بتنظيم نشاطات ويتم التصويت فيه على جميع القرارات المهمة. وكذلك فإن من المهم أن يكون لدى المركز أشخاص يتولون تمثيله أمام الجهات الأُخرى وإدارة الشؤون المالية. على أن يتمّ اختيار هؤلاء الأشخاص من خلال الانتخاب وأن يقدّموا للجمعية العمومية تقارير بشكل مستمر، مما يعزز من شرعيتهم على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ولكيّ تمثّل المراكز الشبابية والمنظمات الشبابية الأخرى مصالحها الخاصة بشكل فعّال قدر الأمكان، يجب أن تُنشئ شبكة اتصال. وكخطوة أولية يمكن لممثلي المؤسسات المختلفة الإلتقاء بشكل منتظم، وتبادل الخبرات والتخطيط لمشاريع مشتركة.ويتم في خطوة لاحقة منح شبكة الاتصال طابع مؤسساتي. حيث يمكن لمنظمة مظلية (شاملة)، تضم في عضويتها كل المنظمات الشبابية في منطقة معينة – بغض النظر عن كون هذه المنظمات مستقلة أو مقربة من الأحزاب – لعب أدوار مهمة. فعلى سبيل المثال يمكن للمنظمة المظلية مساعدة مجموعات مختلفة على تنظيم الفعاليات أو إدارة المعلومات أو أن تدعمها في الحصول على التمويل. علاوة على ذلك يمكن أن تعمل هذه المنظمة الجامعة من أجل أن تلقى مواقف الشباب أذاناً صاغية في الهيئات المحلية و المؤسسات المختلفة. إنّ العامل الحاسم في نجاح منظمات مظلية كهذه هو تنشيطها للحوارات وتقديمها خدمات مفيدة. يجب أن تكون المنظمة المظلية حيادية. أي من غير المسموح لها أن تكون مرتبطة بحزب أو موقف سياسي. بل عليها أن تعزز التواصل بين المجموعات المنفردة بمختلف توجهاتها.

وهناك إمكانية أخرى للتنظيم المستقل وهو إنتخاب برلمان للشباب. أي عندما يلتقي العديد من الشباب في مدينة ما وينتخبون ممثلين عنهم، فإن هؤلاء يصبحون مخولين للتحدث باسمهم. حيث يمكن لهم التوجه إلى مجلس المدينة (مجلس البلدية) والمطالبة بالاستماع إليهم في كل الشؤون المتعلقة بقضايا الشباب. بالطبع قد يشكك ممثلوا المؤسسات القائمة بذلك في بداية الأمر، ولكن إذا شارك أعضاء برلمان الشباب في الحوارات بشكل فعال وبانتظام، فسوف يكسبون نفوذاً بكل تأكيد.

تنزيل


217K كيلوبايت PDF